تلك هفوة سيكفِّر عنها أبناء الجيل الجديد في باريس يوم تنجلي الغُمَّة بعد أن تضع الحرب أوزارها الثقال
ولكن متى؟
إن انتظار السلام قد يطول!
في أي المحامد والمحاسن والمناقب يفكر الرجل حين يجزع لبلواك يا باريس؟
أيذكر أن مطابعك كانت تخرج نحو سبعين كتاباً في اليوم الواحد؟
أيذكر أن مكاتبكم مرجع لجميع ما أبدعت العقول الإنسانية في القديم والحديث؟
أيذكر أنك صورة الإنسانية، الصورة المجسّمة التي تمثِّل ما تملك الإنسانية من آراء وأهواء، وحقائق وأباطيل؟
أيذكر أنك أرحب ميدان للصراع بين الحلم والجهل، والشك واليقين؟
أيذكر أن معاهدك العلمية والأدبية والفنية كانت النِّبراس لأهل العقول والأفكار والأذواق في أكثر بقاع الأرض، وأن برلين نفسها لم تنجُ من الافتتان بسحرك القهار؟
أيذكر أن النشوة الروحية لا تقع إلا لمن يفتح عينيه على نورك الوهّاج أول مرة؟
وما أسعد من يراك يا باريس أول مرة قبل أن يألف مناظر الفردوس! وهل تحق السلوة لمن يطول عهده بجمالك الفتّان؟
قد ينسى الناس محامدك يا باريس، إلا محمدةً واحدة ستبقى في ذاكرة الخلود
فأعداؤك يا باريس لم يكونوا يجدون الأمن والعافية إلا في ربوعك الضواحك، وما استطاعت المطابع في أي أرض أن تذيع الطعن في فرنسا كما استطاعت مطابع باريس؟ وما شُتِمتْ فرنسا في أي بلد كما شُتِمتْ في باريس!
لم تكن باريس وطناً خالصاً للفرنسيين، وإنما كانت أوطاناً لطوائف من المفكرين والثائرين يفدون إليها من كل فج ويطعنون أهلها إن أرادوا بلا رقيب ولا حسيب
كانت باريس هي المنَفى الأمين لمن تلفظهم حكوماتهم من أصحاب المبادئ والمذاهب، وكانت منتدياتها مجالاً للثائرين على موروث الأفكار والتقاليد من سائر أناء الشعوب
كانت باريس هي الملعب الذي تراض فيه عضلات الأفكار على المُرونة والعُنف
كانت باريس حرباً على أهلها بفضل تلك الحرية، ولكنها كانت تشعر بالأبوة الرحيمة لكل