إن الفكر هو أثمن ما غنِمت الإنسانية، وبفضل الفكر الحر عرف الإنسان قيمة الوجود
لابدَّ للعالم المفكِّر من باريس ولو رُفعت فوق ذراها راية الصليب المعقوف!
وهل أُطفأت أنوار أتينا الفكرية بعد أن دحرها الرومان؟
وهل أطفأت أنوار بغداد الفكرية بعد أن غلبها التتار المجرمون؟
وهل استطاع الذين حاربوا القاهرة مئات السنين أن يحجبوا أنوارها عن الشرق؟
المدُن الفكرية لا تموت، وكيف يموت الفكر وهو أطول عمراً من الزمان؟
أما بعد، فهذه كلمة فاض بها قلبٌ يتوجع لأحزان باريس، وطن أساتذتي الاماجد من أمثال مورنية وتونلا وشامار وميشو وديبويه ومَرسية ودبمومبين ولالاند وماسينيوس، وطن المكاتب التي كنت أقضي فيها سهراتي بالمجان حين كان يُعوزني المال لقضاء السهرات في مراتع اللهو والفُتون
هذه كلمة في التفجع لمصير المدينة التي قضيت فيها أطيب الأعوام من شبابي، المدينة التي أوحت إلى قلمي كتاب (ذكريات باريس)
فإن ترجع الأيام بعد الذي مَضى ... بذي الأثْل صيفاً مثل صيفي ومَرْبَعي
شددتُ بأعناق النوى بعد هذه ... مَرائرَ إن جاذبتها لم تقطّع
وسنلتقي يا باريس ولو بعد حين وقد طَبَّ الزمان لجراحك الداميات!
كيف الحال في بُولمْيش يا باريس؟
وكيف الحال في الشانزليزيه؟
وكيف الحال في فرساي وقد قيل فيه ما قيل؟
وكيف الحال في دار المكتبة الأهلية؟
وكيف حال السامرين على شواطئ السين، إن بَقيَ للسمر مجالٌ على شواطئ السين؟
وكيف حال اللاهين واللاعبين بين القصر الكبير والقصر الصغير في الطريق إلى ميدان الانفليد؟
وأين مواعيد الصبابة والوجد في ساحاتك الفيحاء؟
وأين استقبال الغاديات والرائحات في الضحى والأصيل حول مخازن السماريتين؟
وأين صبح الأحد في متحف اللوفر وعصر الأحد في حديقة النَّبات؟