للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والشباب

كما رأت هذه المدرسة أن باب الاجتهاد لم يقفل بل إنه مفتوح على مصراعيه لبحث كل المسائل الطارئة. وليس الحكم فيها خاضعاً لحرفية النصوص، بل يجب اعتبار مصلحة العالم الإسلامي أولاً وقبل كل شيء (وليس الشرع محصوراً ي جلود كتب الحنفية). فإذا ما قام الفقه على هاذين الأساسين: الاجتهاد والمصلحة، فإنه يكون صالحاً لكل زمان ومكان، وقابلاً لما تقضى به الضرورة من أمور تدعو إليها المصلحة وموافقة العصر. وحينئذ يمكن الرد على الذين يزعمون أن الفقه الإسلامي إنما هو لزمن خاص ومكان خاص، وليس عاماً لكل الشعوب وفي كل الأوقات

ونظراً لأن الإمام محمد عبدة كانت له شخصية دينية عميقة لأنه كان من مدرسة صوفية، فإن الإصلاح الإسلامي بمصر كان - مخالفاً في هذا الحركة الهندية - يمتاز بأساس من الإيمان والمحافظة وبروح حارة من التقوى. ولما كان يسود الاعتقاد بسمو الوحي ورفعته، جاء الاقتناع القوي بأن العلم والدين عند الفهم الصحيح أخوان لا يختلفان، وعلى هذا الأساس لم يرفض محمد عبدة الأخذ مع الحرية الكاملة بالإصلاح العلمي

حقاً إنه لا يمكن أن يكتم أنه عند ما يحدث في بعض الأحيان خلاف بين العقل والسنة فإنه يجب الأخذ بالأول، بل إنه زيادة على تجب مراعاة حالة الأمة والظروف، فيقدم ذلك على النص الصريح. أما مماحكات الفقهاء فقد رفضت بشدة من محمد عبدة ومدرسته، ووضع بدلاً من ذلك القديم المتفتت جديد مأخوذ من الاجتهاد في الأصول موافق للعلاقات الحاضرة. وفي هذا الطريق سارت هذه المدرسة - مثل الوهابية المعتمدة على ابن تيمية - في رفض الخرافات والبدع، ولكن في الوقت نفسه - موافقة في ذلك للغزالي - حاولت إدخال المبادئ الخلقية والأعمال القلبية في الفقه، مع اقتناع عميق بأن بساطة الإسلام الصحيح التي لم يمسها تغيُّر الأيام تجعله قابلاً لكل حركات التقدم والتطور

ومن هنا نرى أن كلتا الحركتين الهندية والمصرية تنتهيان تقريباً عند غاية واحدة، وهي أن الإسلام عند الرجوع به إلى شكله الأصلي، وعند الأخذ بروحه ولبه، وبعد أن ينقى من الأدران التي لصقت به، ومن جمود العصور المتأخرة، لاشك أنه يصبح موافقاً لطلبات الحياة العصرية. وإذا ما تأملنا قليلاً، فإننا نجد أن الطريق الذي يمكن أن يسلكه الإصلاح

<<  <  ج:
ص:  >  >>