الأمم، واستقر النقد النمسوي منذ سنة ١٩٢٣، وأخذت النمسا تسير في طريق الانتعاش الاقتصادي، وعولجت عدة مشاكل اقتصادية واجتماعية مثل: مسألة الأجور وتنظيمها، ومسألة المساكن وحماية المستأجرين، ومسألة التأمينات والمعاشات، والتشريع العملي والاجتماعي. وبذل المونسنيور سيبل لتنظيم النمسا الجديدة جهودا تخلق بالإعجاب. وكان يعتمد في سياسته أثناء هذه الأعوام على جبهة موحدة من حزبه، أعني الاشتراكيين المسيحيين والأحزاب الصغيرة الأخرى، ولكن الديموقراطيين الاشتراكيين كان لهم دائما في سير الشئون نفوذ قوي، بل كان هو الغالب في معظم الأحيان، وكانت جهودهم خلال هذه الأعوام تتجه إلى تقوية حقوق الطبقات العاملة وتوطيدها، وإلى مقاومة أصحاب الأموال والصناعات الكبرى والكتلة المحافظة من الملاك ورجال الدين. وكانت أهم المسائل السياسية التي واجهتها الجمهورية خلال هذه الفترة مسألتان: الأولى، مسألة التيرول الجنوبية، والثانية مسألة الاتحاد مع ألمانيا (الانشلوس)، فأما الأولى فترجع إلى أن معاهدة سان جرمان قضيت بفصل قسم كبير من أراضي التيرول الجنوبية عن النمسا وضمها إلى إيطاليا، وفيها نحو مائتي ألف نمسوي. وعبثا حاولت النمسا أثناء مفاوضات الصلح أن تقنع الحلفاء بتعديل هذا النص والإبقاء على حدود النمسا الطبيعية. وقد ازدادت هذه المسألة أهمية وخطورة حينما اشتدت وطأة النظم الفاشستية على أهل التيرول وأخذ السنيور موسوليني في حرمانهم شيئا فشيئا من أخص حقوقهم القومية والجنسية، وفرض عليهم اللغة الإيطالية في المدارس والكنيسة ولم يدخر وسيلة لسلخهم عن الكتلة الجرمانية وإدماجهم في الكتلة الإيطالية. عندئذ حاولت النمسا أن ترفع صوتها بالاحتجاج على هذه السياسة، وقامت الصحف النمسوية والألمانية عامة بحملة شديدة على ما تنزله الفاشستية بأهل التيرول من ضروب الظلم والإرغام؛ ولوح الرجال المسئولون في النمسا وألمانيا بإمكان طرح المسألة على عصبة الأمم تطبيقا لما تنص عليه معاهدات الصلح المختلفة من حماية الأقليات القومية. ولكن السنيور موسوليني أنكر هذه التهم، وسخر من تدخل العصبة ونوه بما تسبغه الحكومة الإيطالية على رعاياها الجدد من ضروب الرعاية والمعاونة، وأكد أن التيرول الجنوبية ضرورية لسلامة إيطاليا، وأن إيطاليا لن تنزل عنها قيد ذرة. وانتقد الشعب النمسوي موقف المونسنيور سيبل في هذه المسألة ورماه بالتردد والضعف، ولكن