سيبل لم ير سبيلا للعمل الإيجابي إزاء وعيد موسوليني: ولم تستطع النمسا أن تحمل إيطاليا على تغير شيء من سياستها وخططها في التيرول، ولبثت المسالة مثاراً لسوء التفاهم بين البلدين مدى حين، وما زالت على حالها لم يتخذ بشأنها أي إجراء لإنصاف أهل التيرول.
وأما المسألة الثانية وهي مسألة اتحاد النمسا مع ألمانيا فقد لبثت مدى أعوام ظاهرة بارزة في السياسة النمسوية. وهي أمنية قديمة لدعاة الجامعة الجرمانية ترجع إلى أواخر القرن الماضي، وكانت قبل الحرب من غايات السياسة الألمانية، ولكنها لم تتخذ في النمسا الإمبراطورية أية أهمية، ولم يكن لها سوى أنصار قلائل بين شبيبة هذا العصر، فلما انتهت الحرب بانهيار الإمبراطورية القديمة وتمزيقها، وفصلت النمسا عن باقي وحداتها وشعرت النمسابمخاطر ضعفها وعزلتها عن باقي الكتلة الجرمانية، ورأت في اتحادها مع ألمانيا شقيقتها الكبرى خير سبيل لضمان مستقبلها السياسي والاقتصادي وأعربت النمسا فعلا عن هذه الأمنية لدول الحلفاء على يد مندوبيها في مؤتمر الصلح تطبيقا لمبدأ الرئيس ولسون في حرية تقرير المصير، ولكن الحلفاء عارضوا في تلك الخطوة أشد المعارضة كما قدمنا، لأن اتحاد الأمتين الجرمانيتين على هذا النحو يقوي ساعد الكتلة الجرمانية في أواسط أوربا، ويجعلها اشد خطراً وأبعد نفوذاً، ولما بدأت النمسا الجمهورية حياتها الجديدة، وآنست كل ما يعترضها من الصعاب السياسية والاقتصادية المترتبة على فصلها وعزلتها وتمزيق معاملاتها وعلائقها القديمة، عادت فكرة الاتحاد مع ألمانيا تبدو لها كعلاج ناجع، وكان الفريق المتطرف من أنصار الفكرة يرى أن يكون هذا الاتحاد تاما من جميع الوجوه السياسية والاقتصادية أو بعبارة أخرى يكون نوعا من الاندماج العام، ويرى الفريق المعتدل أن يكون هذا الاتحاد اقتصاديا قبل كل شيء يقرن بتوحيد الخطط السياسية العامة، ولكن تبقى النمسا محتفظة بشخصيتها واستقلالها الداخلي. بيد أن الفكرة كانت تلقى على وجه العموم تأييداً كبيراً من الشعب النمسوي، وكان أنصار الجامعة الجرمانية في البلدين يروجون لها بالدعاية الواسعة، وكانت تقام من أجلها المظاهرات في العاصمة النمسوية من آن لآخر، وتشجعها الحكومات النمسوية المختلفة. وكانت الديموقراطية الاشتراكية مع ذلك تشك في قيمة هذا الاتحاد وتخشى منه على مستقبلها وحقوقها إذا ما انتهى بالقضاء على