وكيف وهي تضيق عني، وأخشى أن أكدر صفو أهلها بأحاديثي عن معضلات الحياة الدولية؟ وهل تتسع الحياة في الريف لرجل يريد أن يشهد أعنف قَلقلة من قلقلات التاريخ؟
لم يَبق إلا المقام في القاهرة فأقضي صدر النهار في الاستفادة من خِبرة من ألقاهم في وزارة المعارف، ثم أقضي بقايا الوقت في تحبير الكلمات التي ألقى بها القراء من يوم إلى يوم، أو من أسبوع إلى أسبوع، في الجرائد والمجلات
والحقُّ أننا من الفِكْر في كرب، فالحوادث التي نعانيها في هذه الأيام لا تكفي لتغذية مطامعنا الفكرية، فنحن نفزع إلى الأدب لنملأ به فراغ الأرواح والقلوب والأذواق، ومن هنا تفهمون كيف اتفق في أحيان كثيرة أن تقام الحفلات لذكريات الأدباء والمفكرين في ميادين القتال
لا سبيل إلى تخفيف مكاره هذه الأيام (البيض) إلا بالأنس إلى الصداقة الروحية، الصداقة التي يعقدها الأدب بين الكاتب والقارئ، وهي أثمن ذخائر الوجود
وفي ظلال هذا الأمل الجميل أقضي هَجِير هذا الصيف، فأحادث قرائي، وقد رفع بيني وبينهم التكليف، فقد ضقت ذرعاً بما في الدنيا من قيود، واشتقت إلى تنسم هواء الحرية بين صرير القلم وزئير الروح
الطلبة والجاموس!
كنت نشرت مقالاً في المقطم موضوعه (التصوف في الوطنية) سردت فيه بعض الأسباب التي أحب من أجلها وطني، ومن تلك الأسباب أن أرض مصر تصلح للزراعة أربع مرات في العام الواحد، فكتب إليّ حضرة (م. ع. ف) خطاباً يُنكر فيه أن تكون مصر كما وَصَفتُ، ويؤكِّد أن أهل مصر لا يعرفون غير سوء الحال، وأن في مصر آلافاً من الأعيان حُكِم عليهم بالسجن لعجزهم عن سداد المال (؟!) والظاهر في خطاب هذا السيد أنه يتعقب أعمال الحكومة، فقد ذكر أشياء تشهد بأنه يُساير خطوات الحكومة في جميع الميادين، ويتناولها بالثناء والملام على حسب الظروف!
وأقول بصراحة إن الأمة التي تنتظر من الحكومة كل شيء وتطالبها بكل شيء هي أمة في دَوْر الطفولة، والطفل يعتقد أن أباه على كل شيء قدير! وأقول أيضاً إنه ليس من المعقول