أن يكون في مصر آلاف من الأعيان حكم عليهم بالسجن للعجز عن سداد الضرائب. وإذا صح ذلك فهو شاهد على أن الأعيان في مصر لا يصلحون لتدبير ما يملكون من الأموال والأطيان
وهذا السيد له منزلة في الصعيد، ولم أصرح باسمه إلا خوفاً عليه من النقد الذي سأسوقه إليه بلا ترفق. فهو يرى من الإسراف أن يكون في الميزانية مال مرصود لجسر شبرا وجسر سمنود، وهو ينكر أن يكون للأوبرا وحمام السباحة في أسيوط نصيب من أموال الميزانية، وهو في النهاية يَعجب من أن تنفق الدولة ثلاثين ألفاً من الجنيهات لتحسين نسل الجاموس مع أن في طلبة الجامعة من عجز عن دفع المصروفات!
تحسين نسل الجاموس؟
يا سلام! يا سلام؟
كيف يليق بحكومة رشيدة أن تفكر في تحسين نسل الجاموس مع أنها تعرف أن بعض طلبة الجامعة عجزوا عن دفع المصروفات الدراسية؟!
ذلك منطق هذا السيد الذي يَشغل مكاناً مرموقاً في الصعيد!
وعُذر هذا السيد أنه قرأ في مجلة (آخر ساعة) كلمة جَرَت مجرى الدعابة، فظنَّ أن من العيب أن يهتم وزير الزراعة بتحسين نسل الجاموس، وهو جاموس!
هو حقيقة جاموس يرعَى البَرسيم ويأكل الفول ويشطح وينطح بلا فهم ولا تمييز، ولكن هذا الجاموس الأعجم هو من صميم الثروة المصرية، والاهتمام به لا يقلَّ خطراً عن الاهتمام بالقطن والقمح والعنب والتين والبطيخ
فكيف يجوز لرجل أن يعدَّ الاهتمام بتحسين نسل الجاموس عيباً من عيوب الحكومة، إلا أن يكون هذا الرجل من الصالحين للسجن بسبب العجز عن تسديد الضرائب؟
المَقتَل الخطير لأهل مصر هو الغرام بالنكتة، ومن هنا جاز أن ينتهزوا الفرصة فيعيبوا على حكومتهم أن تهتم بتحسين نسل الجاموس
ويقول هذا السيد إن اشتغالي بالأدب صرفني عن مواجهة الواقع. وأقول إنه لو اشتغل بالأدب كما اشتغلتُ لقرأ في كتاب البيان والتبيين كلاماً معناه أن أحد العرب قال: لو كان لي ألف بعير فيها بعيرٌ واحد أجرب لقمتُ عليه قيام من لا يملك غيره!