فمن كان يظن من القراء أننا اشتقنا إليه فهو مخطئ، فما بنا شوق إلى أحد، إلا أن تَصلُح الدنيا فترجع الأنوار إلى بُولميش في باريس، وشارع فؤاد في القاهرة، وشارع الرشيد في بغداد
أفي الحق أن الدنيا ردَّتني إلى هذا الحد من القسوة والعُنف؟
أفي الحق أني أمسيت لا أهتم بعواطف قرائي؟
هو ذلك، فمنذ أسابيع وأنا جاثمٌ بالدار التي بنيتها على حدود الصحراء
وعن الرمال التي يُلهبها القيظ، يتحرك القلم الذي يُلهبه الغيظ
فإن عشت وعشتم إلى عودة السلام فسيكون لي معكم حديث غير هذا الحديث. ألم تسمعوا أني كنت شاعر الصباحة والجمال؟ ألم تلوموني على عُنف الهيام بالعيون والقدود؟
ذوقوا بأس الحرب يا عُشاق الحرب، ذوقوا بأس البلاء يا عشاق البلاء، فلن أنسى أنكم سَخِرتم مني حين كنت أتغنى بالجمال في أيام السلام!
متى تعود أيامي وأيامكم؟ متى تعود؟ متى تعود؟
عشنا وشفنا
شهدت حربين في حياتي: الحرب الماضية والحرب الحاضرة
فمن كان يعجب من أني قضيت حياتي في حرب فليعرف أني أخذت الوقود لأدبي من سعير هاتين الحربين، ولا يملك الفرار من حوادث زمانه غير المزوَّد بالغفلة والجمود، وما كنت من الغافلين ولا الجامدين
في الحرب الماضية كنت طالباً بالجامعة المصرية، وكانت أملاكي بالقاهرة لا تزيد عن مكتبة صغيرة سارعتُ بنقلها إلى سنتريس ورجعتُ لأشاهد تلك القلقلة التاريخية
وفي هذه الحرب، الحرب التي يقال إنها قد تؤذي مصر بعض الإيذاء، صار لي في مصر الجديدة منافع هي المكتبة التي لا يمكن نقلها إلى سنتريس، فأنا معها إلى أن يقضي القَدَر بما يشاء
وأقسى ما أعانيه هو الفزع الذي يقاسيه جيراني حين تولول صَفَّارة الإنذار بغارة جوّية في أعقاب الليل، فهم ينزعجون ويتواصَون بالنزول إلى السراديب ليأمنوا شر الويل، فأنزعج لانزعاجهم لحظة ثم أُسلم جفوني إلى النوم العميق