الرقيب في الأيام التي تُفرَض فيها الرقابة على الكتابة والتأليف
ولي في هذه النواحي تجارب، وأستطيع أن أقول إن أعظم من عرفت من رؤساء التحرير هم بعد القادر حمزة وخليل ثابت وأميل زيدان ومحمود أبو الفتح وأحمد حسن الزيات، فهؤلاء نشروا لي مقالات لم يكن يجوز أن تُنْشر لولا إيمانهم بقيمة الحرية الفكرية
ولم أكن أعرف الرقيب الذي كنت أصطدم به يوم كنت رئيس تحرير جريدة الأفكار في سنة ١٩٢١ فقد كان يفصل بيني وبينه فقيد الوطنية عبد اللطيف الصوفاني بك، طيَّب الله ثراه
أما الرقيب في هذه الأيام فهو الأستاذ محمود عزمي، وأستطيع أن أقول إني كنت أملك نشر ما أشاء بدون تهيب ولا تخوف، لأني كنت أملك الاحتكام إليه حين أريد
وفي الأستاذ محمود عزمي عيب فظيع هو الخضوع للحرية الفكرية، وهو عيب جميل، أكثر الله من أمثاله بين الرقباء!
بَقِي الرقيب الأعظم وهو القارئ
وأستطيع أن أقول إن رقابة القارئ لم تكن رفيقة في أكثر الأحايين، فقد كان يفهم عني غير ما أريد، وكان يراني بعين الحقد والمقت في بعض الأحيان
ومع ذلك بقيتْ صداقتي للقارئ كما كانت، فلم أتحوَّل ولم أتبدَّل، ولم أستبح الرياء لأظفر منه بالإعجاب، لأني أعتقد أن الكاتب الذي يتلمس المواقع من هوى القارئ ليس بكاتب، وإنما هو مأجور، والكاتب المأجور لا يصلح لشيء ولو استمدَّ بيانه من وحي السماء
الكاتب الحق هو الذي لا يخاف ولا يرجو رضاك
الكاتب الحق هو الطبيب الذي لا ينزعج من صُراخ المريض
الكاتب الحق هو الذي يفزع إلى القلم والقرطاس كما يفزع الجائع إلى الطعام والظامئ إلى الشراب
الكاتب الحق هو النهر الذي يحمله الطغيان على الهدير، أو الأسد الذي يحمله الغضب على الزئير
الكاتب الحق لا يعرف قراءه أبداً، وإنما يعرف أنه ينفِّس عن صدره بالتعبير، كما ينفِّس الوجود عن صدره بسعير الحروب