الضغط والعنف. . .) ولم يكن مِرْنفتاح بألين جانباً مع الإسرائيليين من سلفه رمسيس الثاني، فأذاقهم الأمرين لا لسبب إلا لأنهم غير مصريين، ومن جنس أجنبي، حتى إذا بلغ بهم البؤس مبلغه جاءهم موسى بعصاه، فأنقذهم من جناية جنسهم عليهم، ولاقى مرنفتاح حتفه شر لقاء
ثم سار التاريخ سيرته في الشرق والغرب، فظهر الإغريق بحضارتهم وفلسفتهم وآدابهم، تلك الحضارة الإغريقية التي يعزى إليها - وإلى الرومانية أيضاً - فضل النهضة العلمية الأوربية
وحسب الإغريق أنهم شعب مقدس لا يصح أن يتزاوج مع غيره، ولا أن يختلط غيره به. وسموا غيرهم من الشعوب همجياً ووحشياً. ولم يذكروا أن حروفهم الأبجدية إنما كانت عارية فينيقية، وأن مبادئهم الفلسفية نشأت في مصر. فتعصبوا ضد غيرهم من الأجناس، ودعوهم برابرة. وكانت كلمة أو ما ظهرت ظهرت في لغتهم، فأطلقوها على الرومان جيرانهم، لأنهم كانوا من جنس غير جنسهم، ولأن لغتهم اختلفت عن لغتهم، ولأنهم كانوا دونهم في الحضارة والثقافة، ولم تلبث هذه الكلمة أن دخلت اللاتينية فاستعملها الرومان بدورهم، وأطلقوها على الشعوب الأوربية التي كانت تتاخمهم كالصقلب والكلت والجرمان. وهكذا اعتبر الرومان - الذين كانوا يسمون برابرة - كل من لم يدخل ضمن نفوذ الإمبراطورية الرومانية بربرياً لأنه غير متحضر، ولأنه من جنس دون الروماني
لم تكن الحال في بلاد العرب قبل الإسلام بأحسن منها عند الأمم الأخرى، فبالرغم من أن العربي يعتز بجنسه العربي كانت المنافسة بين عرب الجنوب وعرب الشمال تصل إلى العداء والقتال، بل كانت الحروب بين العدنانيين أنفسهم لا تطفأ لها نار. وكان التعصب للقبيلة - التي هي الجنس بمعنى ضيق - من أهم أسباب هذه الحروب. وكان الفرد من البطن يفخر على ابن عمه من البطن الآخر بنبل أسرته وكرم محتده. وظل أثر ذلك إلى الإسلام. وهاهو ذا جرير يهجو نميريا بقوله:
فغض الطرف إنك من نُمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلاباً
مع أن كلاباً ونميراً كلاهما ينتمي إلى أصل واحد هو عامر ابن صعصعة الهوازني
ما كان الإسلام دين تعصب أو جنسية. فقد كان الناس فيه سواسية كأسنان المشط. ولم يكن