بين المسلمين فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى. وقد حافظ الخلفاء الراشدون على هذه المبادئ السامية، فلم ينظروا إلى الشعوب المفتوحة نظرة الغالب القوي، ولم يحطوا من شأن الأجناس التي خضعت لهم. بل لقد كان أول الشروط التي قدمها عمر بن العاص إلى مقوقس مصر هو (إما دخلتم في الإسلام، فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا وعليكم ما علينا). غير أن النعرة العصبية القديمة بُعثت في عهد الأمويين الذين اعتقدوا أن العرب هم أفضل الأجناس، وأن لغتهم أرقى اللغات. ونظروا إلى الموالي وأجناسهم نظرة احتقار وازدراء. وكانت هذه سياسة خاطئة أثارت حروباً جدلية شعواء، وكرهت الأجناس غير العربية - ولا سيما الفرس - في حكم الأمويين فأخذوا يتلمسون الفرص للثورة والخروج على الولاة، فانضموا إلى الخوارج والشيعة، وآزروا دعاة بني العباس، فكان لهم النصر
ولم تكن هذه المفاضلة الجنسية بين العرب والفرس فقط، بل كانت بين العرب أنفسهم عدنايين وقحطانيين في الشرق وفي الأندلس. وكانت اليقظة الشعوبية (في بلاد فارس) أيام حكم العباسين، هي التي سهلت وجود تلك الدويلات التي مهدت لزوال الخلافة
وقد أسرف الشعوبيون في الحط من شأن العرب، فرموهم بالتأخر، وأنه لم يكن لهم ملك يجمع سوادهم، ويضم قاصيهم، وينهى سفيههم. ولم تكن لهم قط نتيجة في صناعة، ولا أثر في فلسفة، إلا ما كان من الشعر، وقد شاركهم فيه العجم. ورماهم ابن خلدون بالتوحش وتخريب العامر، واستباحة أموال الناس نهباً ومغرماً
وفي أوربا استمرت الحروب الجنسية أثناء القرون الوسطى بين القوط والوندال، وبين الجرمان والغال، وبين السكسون والكلت، وبين الاسكتلنديين والإنجليز. وهذه الحروب وإن كان بعضها للغزو والغنيمة إلا أن الجنسية كانت تشعلها، لأن الجنسية أو العصبية كانت دائماً العامل المشترك بين أفراد الفريقين المتحاربين
وفي أوربا الحديثة شاعت نظرية الجنس الأبيض والأجناس الملونة واعتقد العامة - والمتعلمون أيضاً - أن الأجناس الملونة أحط من الجنس الأبيض في الذكاء والاستعداد الفطري للانتاج، والاستعداد لتلقي الحضارة. ولعل الذي ساعد على انتشار هذه النظرية الحقيقة الماثلة، وهي سيادة الجنس الأبيض الأجناس الملونة
وفي أمريكا - بلاد الديمقراطية - تجد الزنوج في ولايات الجنوب موضع احتقار