فقال هاريس:(ليس معي غير عيدان قليلة)، ثم أخرج علبة الثقاب وقال:(ليس فيها غير عودين فخذها)
أشعل كامبل أول عود فلم يحترق، وأشعل الثاني فرأيا على نوره الضئيل كتلة سوداء لم يتبناها، وتصاعدت من جهتها رائحة كريهة، ثم انطفأ العود وأظلم المكان، فلم يعد كل منهما يستطيع رؤية الآخر
فخرجا من الكهف متجهين إلى مربط الجوادين، ولم يكد هاريس يرفع رجله ليضعها في الركاب حتى صاح كامبل:(أنظر إلى حذائك!)
فنظر وقال:(هذا دم، ولست أعرف ما الذي كان في الكهف!)
وقال كامبل: هل تتذكر (إدي ماك جاري) الذي كان ضابطاً معنا واختفى في الشهر الماضي؟)
فقال هاريس:(نعم أذكره، وكان قبل اختفائه قد تخاصم مع أناس في مقهى، وقيل إنهم تضاربوا ثم اختفى، فهل تظن أنه بهذا الكهف؟)
قال كامبل:(لست أعرف)؛ ثم مشى الصديقان في صمت. وبعد مدة قال كامبل:(لا تقل شيئاً يا هاريس حتى نتبين الحقيقة، وسنتقابل غداً فأخبرك بنتيجة بحثي)
وكان كامبل يتردد على حانوت رجل خمار اسمه فرانز شافر، وقد اشتهر هذا الرجل بمعرفته كل مكان في المدينة وأكثر من فيها من الناس. وكان بينه وبين كامبل صداقة نشأت منذ جاء إلى هذه المدينة في أول الحرب. وكان هاريس يعرفه أيضاً ويتردد على حانوته
في هذه اللحظة ذهب هاريس إلى الحان وأخذ معه مقداراً من التبغ فأهداه إلى الخمار الألماني الذي أبرقت عيناه، وقام إلى زجاجة من أجود النبيذ فقدمها إلى الضابط وأخذ يصف شوقه إلى اليوم الذي تعود فيه ألمانيا إلى مكانتها الأولى بين الشعوب ويسود فيه الإخاء بينها جميعاً، وقال إن الحرب الأخيرة كانت حرباً بشعة أثارتها العداوة من الجانبين ولكنها انتهت بحمد الله فانتهت معها كل الحروب. ثم سأل الضابط: أليس من رأيه أن الحروب لن تعود؟
فهز هاريس رأسه. وكان في هذه اللحظة يفكر في الكهف ويغلب على ظنه أن كامبل