مخطئ فيما توهمه. لأن ماك جاري وإن كان ضيق الخلق سريع الغضب، فهو لا يترك نفسه لمن يقوده إلى كهف فيقتله فيه
واستمر الخمار يتدرج في حديثه السياسي إلى أحاديث مختلفة عن أشخاص يعرفهم هاريس، فتردد الأخير في إخباره بأمر الكهف. وبعد قليل قال:
(هل تعرف الطريق إلى جبل (برج الز) يا هرشافر؟)
فقال الخمار:(كيف لا أعرفه وأنا كثيراً ما أذهب منه وصهري مقيم في (نيدورف) عند نهايته)
ثم تنهد وشرع في وصفه ولكن هاريس قاطعه بقوله:(وهل تعرف الطريق الضيق القريب من نهاية الغابة؟)
فحملق الألماني في وجه الضابط وراعه منه رنة غريبة في صوته وتغير في لهجته، فقال الخمار:(لماذا يا سيدي الهر؟ لماذا يا سيدي الضاْبط؟)
ولكن هاريس استمر يسأله بلهجة المحققين:(وهل تعرف المكان الذي على بعد مائة متر على يمين هذا الطريق؟)
فلم يجبه الخمار ولكنه ظل واجماً فاتحاً فمه لاعقاً شفتيه بحالة عصبية، وكان هاريس في هذه اللحظة يتذكر ضابطاً عظيما استجوب أمامه أحد الحراس فشعر بالسرور لأن مهارته الآن في التحقيق لم تكن أقل من مهارة ذلك الضابط الكبير بدليل ما ظهر من التأثر على وجه الخمار
ولقد كان الإجرام بادياً على الخمار في هذه الساعة، وكانت عيناه تدوران كأنما تبحثان عن منفذ تتركان منه المحاجر وكانت خياشيمه تنتفخ والعرق يتندى من جبيته. ثم قال بعد ارتباك شديد:(لست أعرف هذا المكان)
فقال هاريس وهو يدق على المنضدة ليؤكد سؤاله:(ولماذا لم تقل ذلك من أول الأمر؟)
وكان الخمار يحارب نفسه ليحملها على كتمان العواطف، وتظاهر بالغضب على كرامته تظاهراً جعل شكله مضحكا وقال:(لا تؤاخذني يا هر إذا احتددت فإني لم أنم جيداً ليلة الأمس، وأنت قد غيرت معي لهجتك فاضطربت)
فقال هاريس بلهجة الساخر:(لم تنم جيداً ليلة الأمس؟)