ويؤدي عمله الواحد. وفي أول كل شهر يتقاضى مائة من الفرنكات يستعين بها على شيخوخته. وفي أيام الآحاد يذهب إلى (الشانزلزيه) ليراقب المتنزهين فيها
وفي يوم من هذه الأيام بهت لما رأى سيدة تتنزه ومعها صبيان، أحدهما يبلغ العاشرة والثانية تبلغ الرابعة. وكانت هذه السيدة هي صاحبته، فمشى نحو مائة متر ثم ارتمى خائر القوى على كرسي، ولم تكن السيدة قد لاحظته. وبعد قليل عاد لكي يراها مرة أخرى، وكانت قد جلست والصبي واقف بجانبها في سكون والطفلة تجري وتلعب
ونظر إليها فلم يشك في أنها هي وكانت نظراتها نظرات حزن وثيابها بسيطة وكان يراها عن بعد لأنه لا يجرؤ على الدنو منها ولكن نظره قد وقع على الصبي فارتعش وعرف أنه ابنه لأنه يشبه صورته وهو في ذلك العمر. ثم اختفى وراء شجرة حتى تقوم فيتبعها إلى منزلها
ولم ينم في تلك الليلة وكاد يجن من التفكير في ابنه وسأل أهل الحي عنها فقيل له إن أحد جيرانها قد أخذته الشفقة عليها بعد ذلك الحادث فتزوجها وربى ابنها، ثم ولدت له البنت
صار فراسنوا يتردد على الحديقة كل يوم من أيام الآحاد. وكان في كل مرة يكاد يجن شوقاً على عناق أبنه وتقبيله والعودة به، ومن ذلك العهد صار يتألم من الوحدة وأحس إحساساً مضاعفاً بالغيرة والندم والحاجة إلى النسل. ثم عزم على خطة لا يقدم عليها غير اليائس، فذهب إليها ووقف أمامها وقال وشفتاه ترتعشان:(ألا تعرفينني؟) فنظرت إليه وصاحت صيحة رعب وفزع، ثم أخذت ابنها وخرجت من أمامه، وعاد هو إلى المنزل باكياً، ومضت أشهر لا يراها، وكان ألمه يزداد يوماً فيوماً حتى تمنى الموت على أن يقبَّل ابنه قبل أن يموت، وكتب إليها فلم تجبه حتى بلغ ما كتبه عشرين خطاباً. ثم بدا له في حالة من اليأس أن يكتب إلى زوجها واستعد لأن يكون الجواب رصاصة من مسدس، وكان هكذا خطابه:(سيدي! لا شك أن اسمي يزعجك ولكنني في أشد البؤس والتعاسة، ولذلك أجرؤ على استئذانك في مقابلة قصيرة)
وفي اليوم التالي وصل إليه الرد وهو هكذا:(سأنتظرك غداً في الساعة الخامسة)
ذهب إليه وهو خافق القلب حتى اضطر إلى الوقوف في السلم عدة مرات. ثم فتح له الباب ودخل حجرة الاستقبال، فوجد الزوج جالساً في صدرها، وهو طويل القامة عريض