إن الخُلُق الفرنسي نموذجٌ للخلُق الصحيح، فالرجل الفرنسي يلعب في حين، ويجدُّ في أحيان، وهو في لعبه وِجدْه مثالٌ للرجل الذي تنأى به رجولتُه عن اصطناع أخلاق الضعفاء الذين يرون سلامتهم في التستر والتصنع والرياء
والأدب الفرنسي هو في جوهره صورة صحيحة للأدب الإنساني، لأنه ينزع إلى الصدق في تصوير ما تخضع له الإنسانية من قوة وضعف، ويقين وارتياب، وهدىً وضلال
وإذا اندحرت فرنسا السياسية فلن تندحر فرنسا الأدبية
ولو صدقت فرنسا في السياسة كما صدقت في الأدب لكانت هزيمتها من المستحيلات. وقد قلت في مقال قدمته لمجلة الهلال إني أنتظر اليوم الذي تسمح فيه الظروف بأن أُعلل هزيمة فرنسا السياسية
فهل أجد اليوم منفذاً لكلمة وجيزة بعد أن استباح المسيو بيتان ما استباح في تعليل تلك الهزيمة النَّكراء؟
إن المسيو بيتان ردَّ أسباب الهزيمة إلى ما تخلَّق به الشعب الفرنسي بعد الانتصار في الحرب الماضية من إيثار المرَح على التضحية وتقديم الحقوق على الواجبات
فما الذي يمنع من تصحيح رأي المسيو بيتان؟
ما الذي يمنع من القول بأن ساسة فرنسا كانوا أضعف بصراً من ساسة الألمان؟
إن السياسي الألماني قدَّم لجنوده قضية تستوجب الاستقتال فهل قدَّم السياسي الفرنسي لجنوده قضية تستوجب الاستقتال؟
قال السياسي الألماني لجنوده: أنتم جِياع ويجب أن تقاتلوا لتجدوا القوت
أما السياسي الفرنسي فقال لجنوده: هَلُمُّوا للدفاع عن الشعوب الصغيرة
وكذلك شبَّت الحرب بين جنديين أحدهما جائع موتور، والثاني شبعان ريَّان يتكلف الغيرة على مبدأ لا يفقه ما يعبِّر عنه من ألفاظ وحروف
فإلى متى تؤذون شعوبكم بلا موجب أيها الساسة (المحنَّكون)؟
لو أعلن ساسة فرنسا أنهم يدافعون عن بلادهم ومستعمراتهم لا ستبسل الجندي الفرنسي واستمات، لأنه عندئذ يعرف أنه يدافع عن الشرف والقوت؛ ولكنهم ساقوه إلى الميادين لاعتبارات مِثالية لا تثير النخوة في أشجع الجنود