وقد قال الفرنسيون ما قالوا في غدر ملك البلجيك، وفات ساستهم أن الوقوف على الحدود كان أنفع وأمنع، ولو فعلوا ذلك لكان من الجائز أن يتغير مصير الحرب، ولكان من المحقَّق أن يستبْقوا من الجيش قوةً يدفعون بها شرّ العدوّ المجتاح
ولكن من الذي يملك القدرة على توجيه آراء الساسة والزعماء؟
أما بعد فلهذا الحديث حواشٍ وذيول سنَعرِضُ لها بالتفصيل بعد حين
والمهمُّ هو تذكير بعض الأدباء بحق الأدب، فما نريد أن يخضع الأدب لأي اعتبار من الاعتبارات، وإن كان من واجبه أن يتعرض لجميع الشؤون
الأدب لا يزدهر إلا إذا تحرَّر من جميع القيود
الأدب هو الترجمان الصادق للغرائز الإنسانية، ولا يجوز أن نطالب الأديب بأن يكون عبداً لزمانه وأهل زمانه، وإنما يجب أن يُسيطر الأديب على الزمان وأهل الزمان ليؤدي رسالته في قوة وصراحة وإخلاص
الأديب أقوى من الناس ومن الزمان، وإنه لا يصوِّر غاية زمنية أو محلية، وإنما يتسامى إلى غايات تُشرِف على طوائف الإنسانية ومراحل التاريخ
ليس الأديب مِزماراً مأجوراً يترنم بما توحي أحوالكم من إطراب وأشجان، وإنما هو قيثارة سماوية يحقّ لها أن تصدح بغير ما تشتهون في أيام الفَرَح وما تبتغون في أيام البكاء، وإن كانت أُخُوَّنه لكم تفرض عليه أن يكون سناداً لآمالكم في جميع الأحايين
ألحان الأديب كأزهار الربيع
فإن كنتم سمعتم أن أزاهير التفاح في نورمنديا تلفَّتت إلى المعارك الدموية بين الفرنسيين والألمان فانتظروا أن يكفّ الأدباء عن التغريد فوق أفنان الوجود، لأن دنياكم عجزتْ عن تذوُّق المَرَح الذي يتموَّج في أعطاف الوجود
أيها الناس
أسمعوا، وعُوا، وإذا وعيتم فانتفعوا
الأديب يُسيطر على الحوادث، ويرفض الاستعباد للحوادث. والأديب أشجع منكم جميعاً لأنه لا يبالي متى يموت. وهل نسيتم أن الأديب هو الذي صنع بقلبه ولسانه وقلمه حوادث التاريخ؟