هؤلاء الأتراك الذين لا دين لهم ولا وطنية أخذ هذه الكلمة الوطنيون أصحاب المذهب الوطني في برنامجهم الثلاثي:(ترك - إسلام - تجديد) وأراد به هؤلاء الوطنيون تحرير الإسلام من أعمال أهل الدين المتأخرين، ومن أمور زمنية ومكانية التصقت به من أول الأمر، ولكن كما يظهر من البرنامج الثلاثي فإن هذه الكلمة تصور طلباً من طلبات الوطنية؛ والنقطة الرئيسية والعماد الأهم إنما هو الناحية السياسية الثقافية، فكلمة (الرجوع إلى الإسلام) هي على الأكثر القالب الذي يصب فيه البرنامج ما يحس به من مسألة الدين كنقطة هامة. وهكذا حدد هذا البرنامج الدين في مجاله الضيق وفصل عنه الجانب الآخر من الحياة الإنسانية؛ فهو يطلب مباشرة فصل الدين عن الدولة، وغايته حياة دنيوية غير روحية
وعلى الضد من هذا (المذهب الإصلاحي) فهو مع إحاطته على العموم بالحياة الثقافية والسياسية يتعمق من الوجهة الإصلاحية في الدين وما يعنيه من (الرجوع إلى الإسلام). فهو يعني الرجوع إلى الإسلام القديم؛ لا بإبعاد الأمور التي غيرت منه أثناء تطوره التاريخي فحسب، بل أيضاً وقبل كل شيء يريد الوقوف ضد هؤلاء العصريين المندفعين في تيار الغرب وضد دعاة المذهب الوطني، فهي حركة دينية تريد أن يكون الدين قوة تخضع لها كل الحياة المدنية من غير إضرار بحرية الفرد، وهي في هذا متفقة مع الحركة المصرية مختلفة مع المذهب الوطني أصلياً في مسألة الدين
وقد يختلف المذهبان اختلافاً جزئياً في طلباتهما، ولكنه أقل من اختلافهما في الدوافع، وكما يتحدان في نقدهما للإسلام التاريخي في كل الأمور، يتحدان أيضاً في كثير من المسائل العملية، فالفرق بينهما ليس فرقاً ظاهراً للعيان، ولكنه فرق كامن في الأساس. ومن الحق أن نقول من جانب آخر إن عدم اهتمام المذهب الوطني بالدين لا يصح أن يؤخذ على معناه الواسع، فإن شعر ضياء جوك ألب الديني يرينا بوضوح أنه ذو شخصية دينية محافظة عميقة
إلى هنا قد تعرفنا أهم أشكال الحركات الإصلاحية الحديثة في الإسلام، أما حركات هؤلاء الوافدين على أوربا وأمريكا مثل الحركة البهائية الفارسية أو الأحمدية الهندية، فهي حركات منفصلة لا تمت كثيراً إلى الحنيفية الإسلامية