على محوها وامتنع عليّ. . . إلى آخر القرائن التي لو لم يكن غيرها لما ساغ لأحد عنده شيء من الفهم أن يذهب إلى نفي أميته، فكيف ونصوص القرآن نفسها مصرحة بأميته في آيات مكية ومدنية، ولو لم يكن إلا هذا التواتر الصارخ لكان لعاقل أن يتهم عقله إذا تطرق إليه في هذا الأمر شك مهما ضؤل
أم كان من الحتم إذا قرر كاتب أن بحثه غير ديني أن يركب رأسه فيه فينقض المبرم ويبرم المنقوض، ضارباً بالعلم والتاريخ واللغة والمنطق والعقل عرض الحائط: يأخذ ما شاء ويدع ما شاء ويستنبط ما شاء كيف شاء بلا سناد من برهان ولا رابط من فهم ولا ضابط من منطق
أنا لا أشك في أن إفساح مجلة (العصبة) صدرها لمثل هذه الآراء الفطيرة ضرب من التشجيع، وأننا باسم هذا التشجيع نُقذي عيون القراء بما يزهدهم في سمين الأدب تحامياً لغثه
وقد آن للمفكرين أن يوازنوا بين مساوئ التشجيع وما يذكر من حسناته، حتى إذا رأوا الشر فيه أربى على الخير نبذوه غير مأسوف عليه
على أن أول الأضرار حائق بالذين تشجعهم: لأن أحدهم حين يرى سخفه مذيلاً باسمه في صحيفة سيارة، يداخله من الصلف والغرور ما لا يقوّمه مهذب بتهذيبه ولا ناصح بنصحه، ثم يترفع بعد هذا عن كل درس ومطالعة، ذاهباً إلى أنه شب عن الطوق وأن بوسعه أن يأتي بخير مما في الكتب، فقد صار كاتباً تحريراً وأديباً كبيراً؛ وهذا ما يعوق كثيراً من ناشئتنا عن التعلم والتأدب الصحيحين، وهو هو ما يشكو تفشيه فيهم كثير من العقلاء
لست أنكر أن التشجيع قد يكشف عن بعض المواهب ويسلك بها السبل المجدية التي تؤتى فيها أكلها، لكنه إلى ذلك يدفع إلى الحياة بخلق كثير من أنصاف العوام الذين انتفخوا غروراً واعتداداً وكانت أنوفهم في السماء وهممهم في الحضيض وقلوبهم هواء
ولأن نصد بتثبيطنا اثنين أو ثلاثة نأمل فيهم النجاح خير لنا وأبقى من أن نفتح الباب على مصراعيه فنشجع كل جاهل ودعي وغبي، ونملأ صحفنا ومجلاتنا جهلاً وسخفاً ونعيش في جو مشبع غثاثة وابتذالاً
وبعد فماذا على المرء أستاذاً كان أم أديباً أم صاحب صحيفة، إذ قال للشادي: يا بني تحتاج