إلى أن تتعلم كثيراً وتتعب طويلاً قبل أن تحدثك نفسك بدفع ما تخط إلى المطابع؟
وإذا كان في كل حكومة إدارة خاصة لمراقبة المطبوعات من الناحية السياسية، فلم لا يكون في كل إدارة جريدة ومجلة وفي كل مطبعة مراقبة فنية دقيقة ترفض كل رخيص مبتذل من المقالات؟
إن من الواجب على المطابع أن تكف عن طبع كل كتاب ليس فيه سد ثغرة في المكتبة العربية أو إضافة خير أو إحياء تراث قيم. . . وحينئذ يستريح الناس من هذا الهِتْر الذي تدفعه المطابع إلى الأسواق حتى سَئِمَتْ النفوس الكتب والمجلات لما في أكثرها من غثاء وهزال
والحاجة إلى هذه المراقبة أمسّ لأن فيها وقاية للملكات من الابتذال والركاكة والفساد، وذلك أجدى على الثقافة من كثرة المعاهد والكليات، إذ أن الصحف والمجلات والكتب مدارس ميسرة لكل قارئ مهما ضؤل حظه من المعرفة. ومن أول الواجبات على هذه المدارس العامة أن تكون رافعة لمستوى قارئها لا خافضة له
في الأقطار العربية ظاهرة ثانية للتشجيع المجرم لا تقل عن هذه فتكا ونكاية، وليس بناصح من عرف موطن الداء فلم يدل عليه مجاملة أو إشفاقاً. عنينا بهذه الظاهرة داء الشهادات التي يحصل عليها حاملها بأرخص ثمن وأيسر سبيل
ومع أني أعرف أن الجامعات ليست سواء في التساهل (أو الغش إذ شئت الصراحة) أعرف كذلك أن بعضها قد تدنى - وخاصة مع الغرباء - إلى درجة لا يصح السكوت عليها، بل يجب على كل حكومة تحررت من أن يفرض على مصالحها هؤلاء المزورون فرضاً - أن ترفض هذا الضرب من الشهادات صيانة لمصالحها من عبث الجاهلين وحفظاً للأمة أن تنحدر إلى الهاوية إذا تولى أمورها المدلسون
يذهب الشاب العربي إلى إحدى ممالك أوربة، فلا يكاد يهبط عاصمتها حتى تراه مهرولاً إلى مكتبة مشهورة أُعطى عنوانها قبل سفره، فيقفها على أن مراده الحصول على شهادة (الدكتوراه) فتتفق معه على مئات من الفرنكات تتناسب هي وعدد الصفحات المطلوبة، فتجمعه بأحد عملائها من الأساتذة الذين يرتزقون من التزوير، فيكتب له الأطروحة ويعلمه إياها تعليما، ويقومان معاً بتجربة المناقشة، ثم يتقدم بها الطالب إلى الجامعة فيفوز بالشهادة