ومعه درجة (مشرف جدَّا ويعود إلى بلاده فيعهد إليه بمنصب علمي أو إداري يشرف منه على كثير من المتعلمين ليس فيهم إلا من هو أعلم منه ومن أستاذه وأشرف
وقد بلغت الوقاحة ببعض الجامعات أن تعطي الدكتوراه لمن قدم إليها أطروحته بلغة يجهلها هو كل الجهل. فإذا أنت عجبت لهذه الجامعة كيف تترخص هذا الترخص، وهي في أرقى البلاد المتمدنة، أجابك المنافحون عنها: إن هذا شأنها مع الغرباء فقط، وهو من قبيل التشجيع لا غير، وليس على الجامعة من ضير، لأن هذا الجاهل لن يضر وطن الجامعة، وإنما الضرر منه على وطن آخر قد تكون سياسة الدولة التي تنتسب إليها الجامعة تتعمد هذا الإضرار تعمداً. والأمر بعد هذا على شاكلة كل البضائع المغشوشة التي تصدر هناك، ويكتب عليها: (بضاعة للتصدير إلى الخارج)
ولست أدري، هل في هذا الذي ذكروا ما يبرر الغش والتزوير؟ وهل يستبيح العلم تسمية الجاهلين علماء لوجه التشجيع فقط؟
ولما رأى الكثيرون هذه السبيل المعبدة لنيل الشهادات تهافتوا عليها وهجروا الطرق المشروعة من التعلم الصحيح والدأب المتواصل والعمل الجاهد؛ وصار الذي يطلب الشهادة من طريقها الحلال مثلاً شروداً بين أصحابه في الغفلة والغباء
ألا أخبرك، يا سيدي القارئ، بأشد من ذلك كله وأنكى؟ أتريد أن تعرف كيف آل الأمر بهذا التشجيع؟ فاستمع إذن لما أقصه عليك:
لقيني منذ سنوات خمس شاب من حملة (الليسانس) هبط دمشق فجال جولة في أروقة الحكومة فيها، وتكفل دهاؤه وشطارته ووسائطه أن يعهدوا إليه بتدريس اللغة العربية في إحدى مدارسها. فبعد أن عرفني بنفسه بلطف متناه واحترام فلبي، خدَّرني بمجاملته لساحرة، ثم قال:
إن أولى أمانيه في مجيئه إلى دمشق أن يجد السبيل لإنقاذ مخطوط عربي نفيس من الضياع، وإنه لقي كثيراً من علماء العاصمة وأدبائها، وارتاد أبهاءها الثقافية (صالوناتها)، متعرفاً لرجالاتها، ثم خاطبهم بمراده، فكلهم أشار عليه بأن يلقاني. . . وإن الغيرة على العلم والأدب هي التي تحفزه لهذا الأمر الجُسام، وهو مستعد أن ينفق على مشروعه النفقات الباهظة. . . وليس يعوزه إلا أستاذ ضليع محقق. . . عنده من الغيرة على لغة