للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مرفوعة، وإذا ألفه معقودة بين المخلوقات تجعل من الحديقة سفينة أخرى لنوح عليه السلام. وقد لفت نظري عند جزع شجرة أطفال دون العاشرة (وسنجاب) في أعلى الشجرة، والسنجاب حيوان خفيف الروح، تملكه بالإحسان والدعابة، لكن قبضك الريح كقبضك عليه. وقد ناداه طفل بالاسم الذي آثره به فأحس في الحال أنه المعني بالنداء، فدلف من فرع إلى فرع، ووقف عند متناول اليد، فمد إليه الطفل يده بالغذاء غير باغ، فتناول (السنجاب) حاجته منه وارتد. وجعلت طفلة تستهويه بشيء جديد، وتناديه كذلك باسم جديد، فإذا السنجاب دالف على عادته، مؤدٍّ مهمته، والأطفال بين ضاحك وباذل ومتحبب (والسنجاب) في تلك الأسرة الصغيرة ابنها المدلل العزيز

ولقد خطرت لي فكرة التحدث إلى السنجاب ما دام من سجاحة الخلق بهذا القدر فحاولت أن أختلي بأخ له بعيداً من مجمع الأطفال إذ كنت قد نسيت فنونهم من قديم، وإني إلى ذلك لأتحاشى أن يذكروني بهذا الفنون؛ فكان أن لقيت سنجاباً فدعوته إلى ناحية فتطلع إليَّ ولم يزد إذ كانت يدي خالية مما يطمع فيه، وانطلق ليستروح طيب الشمائل من غيري

والعصافير فطينة أليفة في تلك الحديقة تتصيد المارة. وكثير من الناس يطوفون بالحدائق العامة وفي ميزانياتهم رصيد محترم للطير والحيوان. فالحب دائماً على أكفهم لا يبذرونه، ولكن يقع الطير عليه فيلتقطه غير هياب. وقد لقيت غير بعيد عصفوراً جاثماً على فرع شجرة، فما إن اقترب منه عابر سبيل باسطاً يده بالنذر اليسير حتى هبط على يده والتقط الحب في لمح البصر ثم عاود الجثوم، وعاود المار الكرة وعاودها العصفور، حتى إذا خرجت يد العابر من هذه المعاودة وهي خالية إذا بالعصفور يميل يمنة ويسرة، ويصل بين ذنبه ورأسه، ولا أدري أكان يبغي بما فعل أن يرد الحسنة بعشرة أمثالها أم كان يبغي المزيد

وجلست في حديقة للحيوان غشيتها بعد ذلك بأيام على مشرب أستريح. وعلى كثرة أقفاص الحديقة وحظائرها، والمواطن التي أنشئت فيها على غرار الطبيعة، ليحس فيها الطير والحيوان أنه في بيته - كنت أجد الطاووس يخطر في طرقاتها ومماشيها مع الزوار جنباً إلى جنب أو معترضاً طريقهم، وكنت ألقى الدجاج الزاهي الألوان البديع الريش يسرح بين الناس في طلب الرزق. وليس في هذا ما يستحق الذكر، لكن حين جلست إلى مائدة المقهى

<<  <  ج:
ص:  >  >>