أقبل على الدجاج في رهطه ومعه طائفة من الديكة الرومية أحاط بي جميعها في انتظار ما يكون. وكان أن طلبت فنجاناً من القهوة يعيد إلى رأسي بعض ما انتهب التعب، فأدرك الدجاج أن ليس ما يطلبه عندي فلا فطيراً رأى ولا كعكا، ولا قارطيس مما يحمل المحسنون؛ ولم يشأ أن ينصرف مع ذلك عني فلعله خشي أن أتهمه بالنفعية أو لعله لم يكن قد يئس بعد من كرمي وأنا رجل غريب لا علم لي بتقاليد الحديقة
واستأنفت المطاف في الحديقة ووقفت أمام حيوان صغير لطيف يشبه النمس ويدي في جيبي، فتبعها بنظره شأن المترقب حتى إذا خرجت وألفاها فارغة رماني بنظرة لم يفتني ما فيها من ازدراء.
تعرف الحرية القيود جد المعرفة، وقد لا تعرف غير القيود؟ فليس ثمة إباحة إلا ولها شرط. وقد كنا إلى عهد قريب نسرف في تقييد حرية الطير والحيوان في حديقة الجيزة، ثم احتذت مثال حدائق الحيوان في الغرب في كثير؛ لكنا لا نرى فيها ما رأيت حين تابعت المسير في الحديقة الأوربية من قطعان الحمير التي لا تعرف الحظائر أو تعرفها ولا تحتاج إليها. ولعل من الخير أن تترك الحمير تسرح في الحدائق وتمرح على هواها فقد ترتفع من هذا قيمتها ويرتفع سعر ذكائها المشهور، فهي تحسن جرش السكر فوق ما تجيد من طحن الفول ومضغ التبن وحصد البرسيم، وهي تعرف كيف تعترض سبيلك لتنال بغيتها منك، وكيف تدفع ظهرك بأشفارها لتلفتك إليها. وقد تسير في الحديقة في حاشية طيعة من البرازين تتبعك كظلك إلى حيث تشاء في داخل الحديقة طبعاً إذا كنت رجلاً كريماً، وكان السكر بعض ما عندك
والحيوانات جميعاً حبيبة إليّ، لأنها على الفطرة، وفطرتها سليمة لم تتلف على نقيض الإنسان الذي تستنفذ فيه المدنية هذا الزخر الطبيعي، وفصيلة القط أجمل الحيوانات طراً، لأن لها شخصية قوية، ولأنها قادرة على النضال، ولأن كل حركة من حركاتها جذابة فيها ظرف كثير. وهذه الفصيلة بالذات هي التي يخشاها الإنسان لأنه يتوجس منها الشر ولأنها في يقينه غادرة خائنة وقد لا تكون أغدر من الإنسان ولا أخون، وهنا نتساءل لماذا نحبو بالعطف غير هذه الفصيلة من طير وحيوان ونأباه على الوحش الذي ينتمي إليها، والجواب الذي تنتظره مني أيها القارئ غير الجواب الذي أعده لك، فليس كون هذه الوحوش تفترس