في جوعها سائر المخلوقات هو الذي يحبس عنها عطفنا وإلا فما الذي لا يفعله زعيم المخلوقات الإنسان العاقل النبيل في جوعه؟ وإنه ليقال إن الإنسان ليفترس أخاه الإنسان في مسة الجوع الجنونية حين تجنح به سفينة إلى شاطئ قفر أو تتحطم به في البحر
إن المرء ليتوجس من الوحش ويتوقع دائماً أذاه لأنه كثيراً ما يغفل من حسابه حساسية الحيوان في حالات كدره. فقد يقربه بشيء من الملاطفة فلا يجني إلا عكس ما ينبغي أن تثمر الملاطفة، وكذلك يفعل الإنسان حين ينحرف مزاجه ويضيق صدره. أفلا يضيق هو أيضاً ذرعاً بالتربيتة على كتفه والمسحة الرفيقة على خده وأحياناً بالكلمة اللينة؟ فالحيوان والإنسان في هذا سواء وإن اختلفا في المظهر وطريقة الأداء أو إن شئت فقل أدب السلوك. فالنمر والأسد والسنور تدهم في استيائها ملاطفها بعضة دامية؛ والإنسان يجبه ملاطفه في فترة كدره بكلمة نابية أو دفعة غير لطيفة سواء في ذلك الرشيد وغير الرشيد، وصغار الحيوان والإنسان وحدها هي التي لا تملك في تلك الحالة أذى لكنها تطيق الملاطفة على مضض. فالغدر والغش والخيانة صفات يشترك فيها الحيوان والإنسان، غير أنها تصدر من الأول عن ضرورة غالباً ويرتجلها الثاني في أغلب الأحيان. والطبيعة التي سلحت الوحوش الضارية بأنياب أنفذ من السنان وأحد من الخنجر لا يمكن أن تتطلب منها ما تتطلب من أسنان اللبن، ولا أن تجعل مهمة الحوافر والأظلاف كمهمة المخالب والأظفار. ولولا أن للثور قرنين ما فكر في النطح، ولولا أن للحية سماً زعافاً للزمت الأجحار؛ لكن للمخلوقات جميعاً - والإنسان على رأسها - أوقات صفاء وفترات كدر؛ فالنمر الذي يفترس الإنسان وهو يطلب الصيد قد يمسح خده في كمك ويطيق أن تربت على جلده في ساعة الرضا. بقي أن تعلم متى يكون راضياً ومتى تكون غمضة عينه ورقدته الساكنة على كدر. وكذلك هدأة الإنسان كثيراً ما تكون خطراً أي خطر، وكثيراً ما تنطوي على أسوأ المفاجآت؛ وهذا على فهمك الإنسان وجهلك الحيوان
إن القلق الذي يساور بعض أكلة اللحوم غريب مُسَلٍّ، والغريزة التي تحرك صغارها أعجب وأغرب، فقد مررت بقط السرفال المستوحش في حديقة حيوان الجيزة، فألفيت وجبته من اللحم النيئ بين فكيه وهو مقبل مدبر، يساوره القلق الدائم من مزاحم ينجم له من بطن الأرض، أو لعله كان يأمل أن يتاح له من القفص مخرج فيفلت بوجبته إلى حيث