وتربض النمرة تتناول مخصصاتها وهي لا تقل عن صدر ثور ويأبى لها حنان الأم إلا أن تنزل عن ضلع للصغار وهي ثلاثة ذكر وأنثيان فينقض الذكر على الضلع يحاول نهشه فلا يعدو جهده سلوخاً رفيعة ينسرها بشق الأنفس، وتجتمع عليه أختاه تحاولان صرفه عن هذا الجشع وحب الذات، فينهرهما ويلطمهما بمخلبه فتبتعدان تعويان. لقد آثر بغريزته هذا الجهد على الرضاع الهين، وترك اللبن لأختيه، وأعمل هو أسنان اللبن في الضلع وحده بلا شريك
وهناك ظاهرة ملحوظة هي الشبه بين الإنسان والحيوان في المنطقة الواحدة، وللمناخ وطبيعة الأرض وظروف الحياة أثرها البالغ في إحداث هذا الشبه بلا مراء. فقد مررت بالدب الأسود والدب الأبيض في وقت كان السلام يسود فيه ربوع العالم فلم أفطن إذ ذاك إلى شيء، ودارت رحى الحرب بين الروسيا وفنلندة، فإذا بالدبين ماثلان أمامي أفطن هذه المرة إلى ما بينهما من فرق وأعمد إلى المقابلة، الدب الأسود أو الدب الروسي يحاول أن يعض قضبان القفص فيعض يده، فيئن ويتأوه ولا يبرح موضعه، وإنما يدور في باطنه حول نفسه في ضجر وبرم شديدين، لا ينقطع له تأوه ولا أنين. والدب الأبيض أو دب الشمال أنيق، سامي المظهر، رشيق الخطو، يدور في قفصه في خطى ثابتة متزنة، ويلتمس المخرج في كل مكان، فإذا عز لم ييأس ولم يحاول أن يقبع نهباً للقنوط كجاره الروسي
كذلك الببغاوات شريكة الإنسان في البيان والمكان، تغري بالمقابلة، فحظها في حدائق الحيوان كحظ مناطق الانتداب تستمتع بقسط كبير من الحرية، وترسف مع ذلك في القيود
و (البوم) محببة إلى الحكماء تشبههم في رصانتهم وتحفظهم وتعاليهم واستصغار شأن من عداهم، والانصراف عن التفكير في المادة إلى التفكير فيما وراء المادة. وهي كالحكماء لا تلفيها في مجلسها إلا صامتة، اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة، تطيل التأمل والنظر
هذا قليل من كثير مما يعرض للمرء من أمور الحيوان. وقد نكون تناولناه في شيء كثير من العجلة وقليل من التعمق، والأناة والغوص من صفات العلماء، ولسنا في هذه العجالة منهم