للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاء في كتاب فجر الإسلام ص ٢٦٠ في صدد الكلام عن الوضاعين في الحديث: (وبعضهم كان سليم النية بجمع كل ما أتاه على أنه صحيح وهو في ذاته صادق فيحدث بكل ما سمع فيأخذه الناس عنه مخدوعين بصدقه كالذي قيل في عبد الله بن المبارك؛ فقد قيل: إنه ثقة صدوق اللسان، ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر) وجاء في هامش الكتاب أن هذا القول في عبد الله بن المبارك وارد في صحيح مسلم

وهنا أخطأ المؤلف في موضعين، الأول: أن الوضّاع في الحديث هو من ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً لم يقله، أما سليم النية الذي يجمع كل ما أتاه على أنه صحيح وهو في ذاته صادق، فهذا رجل ذو غفلة لا يدخل تحت الوضاعين بحال من الأحوال، فحشره بينهم كما صنع الأستاذ أحمد أمين خطأ بيِّن

الثاني: أنه جعل عبد الله بن المبارك من المحدثين ذوي الغفلة الذين يحدثون بكل ما سمعوه من غير تمييز بين الصحيح والموضوع والغث والسمين؛ واستدل لذلك بالعبارة التي نقلها عن مسلم. وعبد الله بن المبارك من أوائل المحدثين الذين عنوا بنقد الرجال ولم يرووا إلا عن الثقات من الشيوخ، وفي مقدمة صحيح مسلم أمثلة متعددة لعنايته بالنقد وبلائه الحسن فيه. وفي تذكرة الحفاظ للذهبي: (عن إبراهيم بن اسحق قال سمعت ابن المبارك يقول: حملت عن أربعة آلاف شيخ فرويت عن ألف منهم)، فرجل يسقط من شيوخه ثلاثة أرباعهم لا يروي عنهم لا يصح أن يقال فيه إنه يجمع كل ما أتاه على أنه صحيح. ومن هنا أجمع الأئمة ونقاد الحديث على إمامته وجلالة قدره، يعلم ذلك من يرجع إلى كتب الرجال. أما العبارة التي نقلها عن مسلم فهي محرفة تحريفاً شنيعاً وأصلها كما في جميع النسخ المطبوعة من صحيح مسلم: (حدثني قهزاز قال: سمعت وهباً يقول عن سفيان عن ابن المبارك قال: (بقية) صدوق اللسان ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر) فالكلام عن بقية وهو بقية بن الوليد المحدث الحمصي المشهور، والمتكلِّم عنه هو عبد الله بن المبارك. وبقية هذا مشهور بما ذكره عنه ابن المبارك، ففي مسلم بعد هذه العبارة بقليل (عن أبي إسحق الفزار): اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين. ونقل الذهبي عن ابن المبارك نفسه أنه كان يقول في بقية: إنه يدلس عن قوم ضعفاء ويروي عمن دب ودرج. فانظر بعد ذلك هل الأستاذ أحمد أمين قرأ عبارة مسلم

<<  <  ج:
ص:  >  >>