فهذا الاختلاف البارز في علاقات الدولتين يفسر لنا الجزع الذي بدأ في أوساطهما عند ما ظهرت مساعي إنجلترا للاتفاق معهما، فكل منهما تخشى الأخرى ولا تريد أن تقوي جبهتها بالانحياز إلى جانب قوي يستطيع أن يفض خلافاتها، ومن ثم يعتبر اشتراكهما في المؤامرة الدكتاتورية اشتراك المصلحة فحسب، فإذا تيسر لإنجلترا تحقيق هذه المصالح، وهو في استطاعتها بما لها من نفوذ في الشرق فلا يوجد ما يستدعي استمرار المؤامرة ولا سيما أن الروسيا واليابان تطمئنان إلى التوسع البريطاني أكثر مما تطمئنان إلى التوسع النازي، فقد خبرا الأول وعرفا ميوله ووسائله، ولكن الثاني مجهول. وإن رجحت فيه كفة الخيانة والغدر، فالاتفاق مع إنجلترا خير من الاتفاق مع ألمانيا، لأنه اتفاق مأمون العاقبة
السياسة تعمل
أما كيف يتم هذا الاتفاق وعلى حساب أية دولة فهذا أمر ليس في استطاعة الباحث أن يجيب عليه، فقد دخلت الحرب الآن في فترة تعمل فيها السياسة والمعاهدات أكثر مما تفعل القوة العسكرية. فالحرب الآن حرب حياة أو موت تكثر فيها المقامرات، وتكثر فيها المعاهدات السرية الوقتية التي تعمل المعجزات
فمعنى أن إنجلترا تسعى لفض منازعات اليابان مع الصين أنها رأت في سكون هذا النضال مصلحة تريد استغلالها، فساستها ليسوا من الغفلة بحيث يفضون مشاكل اليابان في الصين إذا اعرفوا أن اشتراكها في مؤامرة ألمانيا وإيطاليا ما زال معقول التنفيذ
وتعرف إنجلترا ما بين الروسيا واليابان، فتلويحها بالاتفاق مع إحداهما إضعاف للمؤامرة النازية، وإنذار للأخرى، ولا سيما لما بينها وبين أمريكا من اتفاق على إنقاذ العالم من شرور النازية وأطماعها، وخصوصاً لما بين اليابان وأمريكا من اختلافات قد تؤدي إلى الحرب بينهما
واتفاق الحلفاء مع الروسيا مع ملاحظة سياستها الحالية التي تسعى إلى الحصول على أغراضها كلما سنحت الفرصة سواء كانت هذه الأغراض ضمن الاتفاق أو خارجة عنه كما شاهدنا في تصرفاتها مع ألمانيا - اتفاق لا يطمئن إليه الحلفاء. فللروسيا أطماع كبيرة في تركيا، فسياستها في جميع مراحل الحكم من قيصري وشيوعي كانت مبنية على الاستيلاء على مداخل البحر الأسود في البسفور والدردنيل، فإنه يلاحظ إذا نظرنا إلى خريطتها أنه