ولكن إذا أنعمنا النظر في هذا الرأي الذي يأخذ به الأستاذ شميدر وجدناه مليئاً بالأغلاط التاريخية، وذلك أن جابراً لم يذهب إلى إشبيلية، وما عاش بها قط، إنما عاش متنقلاً في بلاد المشرق بين الكوفة وبغداد، وأن جميع كتب التاريخ العربية تثبت لنا ذلك بشكل قاطع، هذا أولاً، وثانياً: إذا كان صحيحاً ما يقول به شميدر من أن جابراً معتنق جديد للدين الإسلامي، فما هو اسم جابر الأصلي؟ ولمَ لَمْ تذكر في كتب التاريخ هذه الحقيقة؟ وهبني سلمت بصحة ما يقول به شميدر فكيف يمكن التوفيق بين ما يقول به وبين ما تقول به كتب التاريخ الصريحة من أن جابراً تولى إمامة الشيعة، بعد موت جعفر الصادق، وهم على ما هم عليه من تطرف وغلو شديدين في الدين الإسلامي؟
وهذا كله لا يسعنا إلا أن نرفض ما يقول به الأستاذ شميدر
تقرير الأستاذ مايرهوف
يرى الأستاذ مايرهوف أن تلك الكتب التي تنسب لجابر هي في ذاتها مشكلة، إذ كيف يتيسر أن نفهم أن رجلاً عاش في القرن الثامن وله كل هذا الاطلاع على الأدب اليوناني الكيميائي؟ ولكن يظهر أن هذه المؤلفات من أعمال جمعية في القرن العاشر من الميلاد أي القرن الرابع الهجري شبيهة بتلك التي أطلقت على نفسها (إخوان الصفاء). وأسماء المؤلفين اليونان هي التي تذكر فقط أعمال جابر الطبية، ولكن النصوص بعيدة عن أصحاب هذه الأسماء جد البعد، وتدل على روح مدرسية صريحة، ففي حين أنه قليلاً ما يأتي ذكر الأعلام السريانية والهندية، نجد كثيراً ما وردت الأعلام الفارسية. . . وعلى أية حال فمن المشكوك فيه أن نعدها الحلقة الأخيرة من سلسلة تقدم علمي امتد من عصر ما قبل الإسلام إلى العصر الإسلامي
ولكن رأى مايرهوف لا يعدو أن يكون تقريراً ساذجاً، فالأستاذ رسكا يقول: إن المسألة لا يمكن أن تفسر هذا التفسير البسيط الساذج من أن أعمال جابر بن حيان إنما هي أعمال مدرسة استمرت عدة قرون
ولكن، فلنتوسع قليلاً في مناقشة ما يذهب إليه مايرهوف: فمايرهوف يبني أساس برهانه على أنه لا يمكن لجابر أن تكون له هذه المعرفة الواسعة المدى بالكيمياء، وهو الذي عاش في القرن الثامن للميلاد، ولكن أنسى الأستاذ مايرهوف وهو الفطن اللبيب الذي بحث في