وبين دعوته بكل ما وسعهم من قوة وحيلة، واجتمعوا للتشاور في دار الندوة، وتشاوروا في واحدة من ثلاث كما حدث القرآن الكريم بذلك في سورة الأنفال:(وإذ مكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) وقر رأيهم على قتله، وذلك بأن يجمعوا من كل قبيلة شاباً فتياً نسيباً، ويعطوه سيفاً صارماً، ثم يقف هؤلاء الفتيان على بابه ليلاً، ويضربوه ضربة رجل واحد وهو خارج لصلاة الفجر فيتفرق دمه في القبائل، ويرى بنو عبد مناف أن لا قدرة لهم على حرب جميع القبائل، فيرضون بالدية
أخبر الله الرسول بما كان وأمره بالهجرة، فذهب إلى أبي بكر الصديق - وكان من قبل يمنعه حتى يأذن الله لهما - وأخبره الخبر وأعد الرواحل والدليل. وفي الليلة الموعودة التي عينتها قريش لتنفيذ مكرها أمر النبي علياً أن يبيت في فراشه لئلا يرتاب أحد في وجوده، وخرج النبي من بيته في آخر الليل وهو يقرأ (وجعلنا من بين أيديهم سداً، ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون)، فألقى الله النوم على الفتيان، وأخذ النبي الكريم حفنة من تراب رمى بها في وجوههم وهو يقول: شاهت الوجوه
ثم ذهب إلى أبي بكر، وسارا حتى وصلا إلى غار ثور بأسفل مكة، واختفيا فيه ثلاثة أيام حتى انقطع رجال قريش عن طلبهما، ثم جاء الدليل وخادم وركبوا جميعاً وساروا في طريق المدينة حتى وصلا إلى (قباء) في اليوم الثامن من ربيع الأول لثلاث وخمسين سنة من مولده صلى الله عليه وسلم. وذلك في اليوم العشرين من سبتمبر سنة ٦٢٢ من ميلاد المسيح
أقام النبي بقباء أربعة أيام وأسس مسجد قباء، ثم ارتحل إلى المدينة يحيط به أنصاره من أهل يثرب، وكان كلما مر بقبيلة ناداه رئيسها أن ينزل عندهم، وأخذ بخطام ناقته، ولكنه كان يقول: دعوها فإنها مأمورة. ومشت الناقة حتى جاءت إلى موضع مسجده الآن فبركت، ثم قامت وبركت، فنزل النبي ووضع الرحل عند أبي أيوب الأنصاري واشترى مكان المسجد والدور التي بناها له ولزوجاته
ومن ذلك اليوم تبدأ حياة جديدة تختلف عن حياة مكة له ولأصحابه ولأهل المدينة أنفسهم، وبدأت عوامل النفاق تبدو، وتحركت العداوة والبغضاء في نفوس المنافقين، ولقي النبي من مكرهم وسوء أعمالهم ومؤامراتهم هم واليهود شيئاً حتى أراحه الله منهم جميعاُ