والحصاد، إنما همه في الحياة أن ينمي اثنين: كلب صيده ولحم بدنه. وبجواره شماس خبير بأهل المدينة ونواديهم وحاناتهم وخاناتهم، قد وهب جمال الصوت وحسن التوقيع والبداهة في المداعبة الحلوة والمحارزة المرة. وهذا رجل من عامة ذوي الأملاك مرح طروب يشغله في الحياة شيئان: الطعام المريء والخمر العتيق. وهذا كاتب قد ملأ رأسه من اكسفورد لا فرق بينه وبين جواده: كلاهما هزيل ناحل ما أغني عنه علمه وما وعى، فهو لا يزال حائراً يتخبط في غيهب الحياة، ينام الليل متوسداً أرسطو وفلسفته ويصبح خالي الوفاض لا يملك شيئاً، حتى إذا يسر له صديق هرع إلى المكاتب يلقي إليها بالمال، ويعود منها مثقلاً بأحمال؛ وهذه ربة دار امرأة صناع قد أبلت في عمرها خمسة أزواج أوردتهم جميعاً موارد العذاب، ولا تزال تتربص بسادس فهي تنصب للزوج شركا من الحب الزائف والود المصطنع حتى يقع فيه فترديه، وهذا نجار وهذا صباغ، وهذا فلاح، وهذا حباك، وهذا نجاد
كل أولئك الذين رأيت لهم قبلة واحدة هي الحج إلى بيت الشهيد توماس في كانتربري. فبيته مثابة المؤمنين ومقصد المخلصين
ولعلي قد أنسيت أن أحدثك عن صاحب الفندق فهو رجل حلو الفكاهة رقيق الحاشية يرى أن الحج ركن من أركان الدين، حكمة شرعته أنه سبب رزقه ومورد الخير له، وهو لا يدخر وسعاً في إيناس الحجيج وتيسير السبل لهم. وقد تراءى له أن يحج هذا العام فما فصلوا عن الخان حتى بدا له أن يجد سبيلاُ للترفيه عنهم ودرء أوصاب السفر، قال: يا قوم نحن ثلاثون فعلى كل واحد منا أن يقص على إخوانه قصتين في الذهاب ومثلهما في الإياب، فمن فازت قصته بالإعجاب فله عشاء في فندقي يدفع ثمنه بقية الصحاب
ولست أدري هل كانوا جميعاً قد قصوا ما قضي عليهم، ولكنني أعلم أن رجلاً منهم قد وعى ما سمع من القصص أو هو أجرى على أفواه الحجيج قصصاً تخيلها وأسماها (قصص كنتر بري)!
هذا الرجل هو (جوفري شوسر) أبو الشعراء الإنجليز وزعيم قصصيهم
ولقد أدرك القراء أن وصف الحجاج والفندق ووصف المدينة في الربيع، وكل ما قرءوا من أول هذا المقال، إنما هو مقدمة قصص (كنتر بري) للشاعر الذي ندرسه، نقلتها عنه في