ولعل هذا البرهان الذي سنسوقه الآن هو الذي سيضع المشكلة في وضعها الصحيح، فمقدمة الكتاب اللاتيني ترجمت عن العربية، إذ جاء فيها ما ترجمته (إن ما ذكر غير كامل في كتبنا السابقة قد أكملناه في كتابنا هذا)
وهذا ما يتفق تماماً وملاحظات جابر وتعليقاته في أنه قد فرق براهينه في كتب مختلفة. وهو قد قال:(إن البحث ينبغي أن يعمل بالشكل الذي يوافق الطبيعة)؛ كما يذكر أن الكيميائي يريد أن يقلد الطبيعة بوسائل مصطنعة. كما يذكر أيضاً أن الكيميائي ينبغي أن يكون مجتهداً في عمله مواظباً على الوصول إلى نتيجة نهائية، وألا يسلم لنتائج سريعة وظواهر خداعة
ففي كتاب الجمع أتى ذكر عملية التكليس في الفصل الرابع عشر؛ فبالرغم من أن التعاليم والأوصاف التي أعطاها جابر اللاتيني في وصفه لجهات التجربة وخطوات العمل فيها تتفق تماماً مع تلك التي قال بها جابر بن حيان في كتاب الخواص، الذي لا يشك أحد أنه من عمل جابر، فإن الأستاذ برتلو يعترف بأن عملية التكليس هذه لا نطير لها في الكتب العربية، ولكن من حسن الحظ، أو من سوئه، لا أدري، أن جابر بن حيان قد أفرد كتاباً لهذا الموضوع فقط هو كتاب (التكليس)، ولا يشك أحد أنه من عمل جابر بن حيان
فلنقارن النصوص، ونتركها تتكلم:
جاء في كتاب الجمع في النص اللاتيني ما ترجمته:(التكليس هو تأكسد المادة بواسطة التسخين، وذلك أنه يسلب الماء والرطوبة منها فتتجمع أجزاؤها، والسبب في ذلك هو أن تجفيف الكبريت وتلوينه وإفساده يمكن أن تمنع بواسطة التسخين، ولكن هذا المنع يختلف باختلاف الأشياء المتكلسة إذ أن الأجسام تكلس كما تكلس الأرواح، ولكن رغم ذلك توجد بعض الأشياء الخارجة عن طبقة هذه وتلك. . .)
(وكل معدن يكلس بطريقة تختلف عن الطريقة التي يكلس بها معدن آخر، ذلك لأنه يوجد بعض المعادن النقية الصافية بطبعها وفي هذه الحالة يكون الغرض من التكليس هو تحويل المعدن إلى مسحوق نهائي. أضف إلى هذا كله أن الحقيقة القائمة بأنه إذا طرقت الفضة حتى صارت صفائح رقيقة ثم سخنت بعد ذلك في درجة الحرارة الملائمة يمكن سحقها بعد ذلك مباشرة كالزجاج تماماً، ثم إذا صهرت مع البورق ترجع ثانياً إلى حالتها الأولى أي