القلق، كانت تجعل لسطوره ظلالاً من الإلحاد والمادية والغثاثة تبغّضها إلى صاحب الدين وصاحب الفن. ثم وصل أسبابه ببعض ذوي القلم النابه فاستخدموه فيما لا يكسبه المودة والعطف. وجابه قوماً من المتصوفة وطلاب العلم بوقاح الرأي في الدين فآذوه في بدنه وسمعته. ووجد رضَى نفسه وراحة عقله في تسليط الطبيعة على العقيدة وتحكيم الفلسفة في الشعور، فساءت ظنون الناس فيه، وأُرهفت الألسن عليه، حتى عجز أن يعيش على ثمرات فكره.
وكان المرحوم إسماعيل أدهم عفيف النفس يتقنع بميسور الرزق، ويتكرم عن طلب المعونة ولو كانت جزاء على عمله. وكان مرضه الدخيل المزمن يقتضي وفرة الغذاء وجودة الهواء وراحة الجسد، ولكنه كان لا يجد الكفاف لضيق مضطربه، ولا ينال الدعة والجمام لقوة عزمه؛ فتظاهر عليه الداء والشقاء والإباء واليأس من روْح الله حتى زلزلت هذه المحن في نفسه الثقة، وأذهبت عن قلبه السكينة.
ونُكبت الإسكندرية الجميلة بالغارات الجوية الإيطالية، فجلا أكثر الساكنين عن الثغر المروَّع، فأقفرت المنازل حتى منزل أدهم وهو مرتزقه الوحيد، فلم يكن بد من هذه النهاية المخزنة التي انتهى إليها هذا الأديب البائس.
كان الدكتور أدهم - غفر الله له - شديد الذكاء أصيل العقل رياضي الفكر واسع الثقافة لا يؤمن إلا بالعلم والمنطق. وقد أضاف إلى ثروة الأدب العربي الحديث جهداً مهما اختلفت الآراء فيه فإن له قيمته. وكان من الممكن أن يعيش في ظلال أدبه رخي البال مكفول الرزق لو أنه وصل ما بينه وبين الله. ولكنه خضع لسلطان طبيعته ونشأته فعالج الموضوعات الإسلامية معالجة الملحد المخلص الذي يجد سعادته في الكفر ورسالته في التكفير. ولو أنه خادع الناس عن عقيدته كما يفعل بعض الأكياس من الأدباء، لأدرك السلام في الأرض وإن لم يدركه في السماء؛ ولكنه كان أشبه بشهداء الكفر الذين يجدون اللذة في الألم، ويبتغون الخلاص في الموت!
رحم الله الدكتور أدهم! حسب أن أرقام العلم واقيسة المنطق هل كل شيء في تقدير المعلوم واكتناه المجهول، فاعتمد في أدبه على العقل القعيد الذي يرى ولا يطير، واتكأ في فلسفته على الفرض البعيد الذي يطير ولا يرى، وتحامل في مُعتقده على الضمير البليد الذي خبا