وفي لمحة من لمحات الوجد تمثَّلتْ لي شفتان ورديتان لو سبَّح لله بهما مسبَّحٌ لكان فيهما غَناءٌ عن تسبيح كل ما حوَى الملكوت من أرواح وأشباح.
أَيصير عبد الوهاب إلى مثل هذا الحُسن الفاتن كلما نقله الخيال إلى عالم الروح؟
ثم انتبه بغتة، وقد وخزَته به نظراتي فقال: أتزور سنتريس في كل أسبوع؟
فقلت: وما الذي يهمك من ذلك؟
فأجاب: إن هذا إن صح قد يفسِّر نزعتك الصوفية، فما شعرتُ بمثل هذه الأقباس الروحية إلا في هذا الطريق الذي يصل بالأفئدة إلى سنتريس.
وما كاد يُتم هذه الجملة حتى هوَى إلى الغيبوبة من جديد، وحتى عُدتُ إلى التأمل في أسارير ذلك الوجه الذي خلق ليكون مَصدَر هداية ومبعَث فُتُون.
وبعد لحظات كانت أقصر من ومضة القلب بالتشوق إلى موعد غرام وصلنا إلى القناطر الخيرية، ثم وقفنا عند قنطرة الرَّيْاح المنوفي لننتظر سيارات الأصفياء قبل أن تُغذَّ السير إلى سنتريس. وهناك وجدنا على غير موعد جماعة من الشبان الفنانين يترنمون بأغاريد عبد الوهاب، وهم ينتظرون وفود القمر لمصافحة النيل؟
ثم وصل الأصدقاء الفرنسيون فطربوا لذلك المنظر الجذاب، وسرّهم أن يكون في مصر فنَّان يرى طلائع فنه في مكان يتوجه إليه على غير ميعاد.
ودخلنا سنتريس والشمس تجنح للغروب والناس يرجعون إلى دورهم وفي أيديهم مقاود المال الناطق، وتلك طلائع نعيم تكون أوفر ما تكون في سنتريس: فأخصبُ أقاليم مصر هو إقليم المنوفية، وأخضب مراكز المنوفية هو مركز أشمون، وأخضب البلاد في مركز أشمون هو سنتريس، وأخضب بقاع سنتريس هو ما ورثته عن أبى وجدي، وأجمل دار في سنتريس هي دار شاعر سنتريس.
فإن ضاق بعض الناس صدراً بهذا الازدهاء، فليذكر أني تحدثت عن الريف وجمال الريف قبل أن تُخلَق وزارة الشؤون الاجتماعية بأعوام طوال. يضاف إلى ذلك أن بلدي أجمل البلاد حقّاً وصدقاً، وهو الشاهد على أن مصر موطن الخيرات والثمرات ومهد الأفئدة والعقول. ولو قلت: إن بلدي يفوق جميع البلاد من الوجهة العلمية لكنت أصدق الصادقين.
ثم جلسنا نتجاذب أطراف الأحاديث مع الأهل والأصدقاء، وقد ذاع في أرجاء البلد أن عبد