ينتجها اجتماع همجي مستبد لا يعقل، وإنما يكون فيه اللذة التي تسكر العقل، والظلم الذي يثير العقل، والأثرة التي تطغى العقل.
وجاء اشتراك المرأة اشتراكاً عملياً في الحياة الأوربية العامة ليقذف الروح بعيداً عن عزلتها، ويدني غريزة تشتاق إلى غريزة تشوق، فكذلك بدأت الأنظمة الأدبية والاقتصادية والمدنية تخضع لسطان الأشواق وحدها دون سلطان الروح والعقل، وسلطان الأشواق هو الذي يكون غرضه دائماً أن يضيق ويتخصص وينفرد بأسباب شوقه، وسلطان الروح والعقل هو الذي يتراحب ويشمل ويعم ويوجد المساواة بين الناس، مهما لقي من العنت والقسوة والمشقة في وضع النظام الذي يريد أن يجعل به الناس أحراراً في قيود من الإنسانية السامية المترفعة عن الذل كما تترفع عن بغي السطوة، والتي تستنكر العبودية الخاضعة كما تستنكر الحرية الفوضى، والتي تأبى تحكم طبقة في طبقة كما تأبى ثورة طبقة على طبقة.
ولكن تبرج الحضارة الأوربية في ذلك الخَلق الجميل الفتان ذي الحيلة والفتنة والسحر الذي يعيش في صورة الأنثى، قسر هذه المدنية على الخضوع لسطوة الشوق المتمرّد، فقام النظام كله على هوى واحد إلى المرأة. فالعامل الذي يعمل يريد أن يستغل الحياة بين يديه لا ليعيش ويعيش معه أهله وبنوه وتلك الدولة الصغيرة التي تسمى البيت، بل هو يعمل ليجد أولاً تلك اللذة الحاكمة الممتعة التي يستمتع بها في ظل تلك الدولة العظيمة التي تسمى المرأة.
وإذا بدأت الطبقة العاملة من الشعب تجد حوافز أعمالها في شيء بعينه، كانت كل أعماله من الأدنى إلى الأعلى لا تجد في أعمالها إلا هذا الحافز الواحد، وإذا تشابهت الحوافز تشابهت الغايات، وما يفترق هذا عن ذاك إلا بأن لكل شيء أسلوباً، ومهما اختلفت الأساليب في هذا فلن تختلف في الدلالة إلا بمقدار الأصل العملي الذي يوجب هذا الاختلاف.
والمكان الذي نصت عليه عروس النفس الإنسانية في هذه المدنية الحديثة، وهو الحافز وهو الغاية، ولذلك تجد هذه المدنية قد تبرجت لأبنائها تبرج الفن العبقري الحافل بأسباب التحكم المستمر في أعمال كل حي. ولما كانت هذه الحوافز على تعددها إنما هي في