عجبت لهذا ثم عجبت لما هو آخذ من هذا. . . مما يصح أن يقف القارئ عليه خلال مطالعة مقالي هذا ليشاطرني عجبي، ولينتهي إلى ما انتهيت إليه.
يزعم (الناقد الأديب) أن الفكرة التي تقوم عليها (مفرق الطريق) توافق في جوهرها فكرة فلسفية أوردها (الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد) في قصيدة له عنوانها (القمة الباردة) ويحاول تأييد زعمه هذا بإيراد جمل وألفاظ غير مفهومة، مقتطعة عمداً من المقدمة التي قدم بها الأستاذ العقاد قصيدته، ومن التوطئة التي مهَّد بها الدكتور بشر فارس لمسرحيته، عبارات ملتقطة في تعسف واقتضاب يجعلها تحتمل وجوهاً من التأويل اللفظي فقط، قد ينغلق معها المعنى الصريح، فتنبعث شكوك القارئ. وكأن (الناقد الأديب) ينسى أو هو يتناسى أنه لا يجوز الحكم في قضية بإيراد بعض ألفاظها المنسلخة عن قصد مرسوم.
ما هي الفكرة الفلسفية التي تقوم عليها قصيدة القمة الباردة؟
إلى القارئ نص تقديم القصيدة كما أورده الأستاذ العقاد:
(للجبال قمة باردة تعلوها الثلوج، وللمعرفة كذلك قمة باردة تفتر عندها الحياة. فإذا نظر الإنسان إلى حقائق الأشياء لم ير شيئاً ولم يشعر بشيء، لأن حقيقتها كلها ذرات ترجع إلى حركة متشابهة في كل ذرة، فخير له ألا ينظر إلى الحقائق كل النظر، ولا يعرض عن الظواهر كل الإعراض، لأن الحيَّ لا يعرف الدنيا إلا بالظواهر التي تقع عليها الحواس وتدركها البديهة، فإذا تجاوز ذلك فقد ارتفع من المعرفة إلى قمتها الباردة التي لا يشعر فيها بحياة)
وجاءت القصيدة بعد ذلك، وأبياتها في وصف هذه القمة:
هنالك لا الشمسُ دوّارَةٌ ... ولا الأرض ناقصةٌ زائدة
ويا بؤس فانٍ يرى ما بدا ... من الكون بالنظرة الخالدة
فذلك رب بلا قدرة ... وحَيٌّ له جثة هامدة
إلى الغور، أمّا ثلوج الذري ... فلا خير فيها ولا فائدة
والمقصود بثلوج الذرى: حياة الفكر المجرد، والمقصود بالغور حياة الفكر العملي
وهكذا نرى أن القصيدة، تقديماً وشعراً، ما هي إلا عرض وتحليل لمذهب من مذاهب المعرفة. ومسألة المعرفة تتعلق بالفلسفة العامة أو ما وراء الطبيعة، بل إن هذا المذهب