أما إنجلترا فيبدو للناس أنها تتفرج، وربما كان هذا صحيحاً، فالانتظار في مثل هذه الأحوال أصلح من التسرع، لتكشف كل من هذه الدول عن نياتها، حتى يتاح لإنجلترا أن تعمل، وعندئذ تضرب ضربتها في الصميم؛ فقد تأخرت دول البلقان في العمل، وكما نادى ساسة الإنجليز باتحاد تلك الدول، ولكنها ظنت سلامها في الحياد وتمسكت به، إلى أن حانت اللحظة التي صار الحياد فيها انتحاراً، وأصبح اتحادها قليل القيمة، بعد زوال القوة العسكرية الفرنسية من الميدان، وبعدما فرغ الجيش الألماني من أعمال البرية، واستتب له الأمر في ميدان أوربا الغربي، فأصبح جزء كبير من وحداته مطلق السراح.
وبرغم الأحداث الأخيرة ما زالت مصالح إنجلترا في البلقان راجحة، وما زالت تركيا واليونان مواليتين لها، ووقفت يوجوسلافيا صامتة.
رنين النقود
وما كادت الروسيا تستولي على بسارابيا وشمال بكوفينيا حتى هبت (بلغاريا) و (هنغاريا) تطالبان بنصيبهما؛ الأولى تطالب بترانسلفانيا، والثانية تطالب بدوبروجة؛ فقد صبرتا طويلاً وضحتها كثيراً، وهما في معاملاتهما تحدوهما غاية واحدة تنطبق على مثل بلغاري يقول:(إن أحب الموسيقى إليَّ هو رنين النقود التي تملأ كيسي)
فهل ملأت معاملات ألمانيا مع هاتين الدولتين في الفترة الماضية كيسهما نقوداً؟ الحقيقة أن الفترة الماضية كانت فترة تضحية من جانب الدولتين، فكانتا تقدمان لألمانيا محصولات بلادهما مقابل بعض المنتجات الألمانية الناقصة أو القليلة القيمة، وكانتا ترسلان إليها المواد الغذائية وتستوردان مدافع تنقصها الذخيرة، وآلات كاتبة أو أدوات تصوير، فقد تحفظت ألمانيا في تسليح هاتين الدولتين حتى لا تكونا خطراً يهددها إذا حانت ساعة الفصل.
وهاهما تان الآن تطالبان بالثمن، ولا شك أن الفترة الحالية أحسن فترة تتاح لهاتين الدولتين لمواجهة ألمانيا التي من مصلحتها أن يستقر السلام في مخزن مئونتها في البلقان، فرومانيا متأثرة بصدمة الروسيا وألمانيا تريد التفرغ لإنجلترا ولا تريد شغل نفسها في ميدانين، والروسيا متحفزة لتنفيذ خططها غير مقيدة باتفاق أو تعهد إلا مصلحتها الخاصة.
وتنتهز الروسيا - كما شاهدنا حتى الآن - الفرص للعمل فتترك الدول تتطاحن حتى إذا قررت عملاً سبقتها إلى الحصول على ما تريد وتضعها أمام الأمر الواقع، وأهم أغراض