المؤلفات التي جمعت لأجل (مجمع برلين للدراسات الطبيعية)
وهذه المؤلفات قد فتحت مدى أوسع في الأبحاث في هذا الموضوع لم يتحقق من قبل، فكتاب السموم أصبح اليوم أمنع من أن ينال هجوم، وهو يبين مقدار معرفة جابر الطبية، أما الفصول المتعددة من كتاب (الخواص النوعية) فيمكن النظر إليها على أنها مقتطفات من كتب مختلفة المقرر أن جابر كتبها في هذا الموضوع، ويمكن أن نقول إن كثيراً من البحث والاجتهاد يحتاج إليه ذلك الذي يريد الكشف عن حقيقة هذه المؤلفات والإجابة على السؤال الآتي: كيف جاءت مؤلفي هذه الكتب فكرة نسبة هذه المؤلفات إلى الإمام جعفر الصادق أو تلميذه المدعى جابر. . . نقول إن الإجابة على هذا السؤال تقهقرت كثيراً. . .
وأولى الملاحظات التي يمكن استفادتها من نتائج أبحاث مجمع برلين في النصوص العديدة هي: أن ارتباط الحقائق المختصة بالكيمياء وعلم البحث عن الصنائع والطب لازم كما هو نفسه ولكنه لا يعين ولا يقدر الغرض الأخير لهذا الأدب؛ إذ أن كل التفاصيل العلمية إنما تتحرك في اتجاه مذهبي واحد، وأن المتأخرين هم الذين أعطوها المعنى والتحقيق. والسبب الفلسفي هو نقطة البدء في هذه المؤلفات كلها، وهذا السبب الفلسفي إنما ترجع إليه قيمتها، وكثيراً ما كان يتكرر بشكل يقيني في هذه الأعمال أن العلم لا يمكن أن يكون إلا إذا كانت هناك نظرية خاصة يضعها نصب عينيه. وهذه المشكلة تمت لأول وهلة لمشكلة السببية. وتبعاً لذلك فإن مفهوم (الميزان) الذي يعد من أهم مميزات مؤلفات جابر بن حيان، ونظرية الخصائص النوعية للأشياء المتعلقة بمدى التحول الكيميائي يعتمدان على أسس عددية دقيقة.
وربما لا يبدو هذا في الكيمياء الحديثة شيئاً يذكر، ولكن العجيب حقاً هو ذلك التيار الذي واظب عليه العقل البشري، واجتهاده في تبيان أن القانون الطبيعي إنما يعتمد في أساسه على أسس عددية ثابتة. ونحن أصبحنا اليوم، بعد هذه الأبحاث، نعتقد أنه نجح تماماً فيما كان يصبو إليه؛ فإن قانون الأعداد هذا في نظر جابر بن حيان يضع كل شيء في الوضع الحقيقي له في العالم.
ودراسة بعض النصوص التي ذكرت آنفاً تقودنا خطوة أخرى نحو الغرض الفلسفي للبحث لهذه الأعمال. أقول إن هذه الدراسة تقودنا خطوة أخرى حين تطلعنا على الصلات