لا جرم، فأنت لا تجد هنا بهجة الروح، ولا هوى النفس ولا نور العين، ولا. . . ولا شفاء القلب.
غير أنك، يا سيدي، حللت أهلاً
برغمك هبطت بيننا لتعيش عمراً من عمرك، فهل ترسل نفسك على سجيتها لتشعر ببعض ما أقاسي؛ فأنا الفلاح الصغير الفقير، أكابد شدة الحياة، وشظف العيش، وذلة الإهمال وحيرة الضياع.
منذ سنوات، وأنت تقسو علي، فتنتزع مني قوت عيالي ومساك روحي في غير رحمة ولا شفقة، لتشبع رغبات المدينة الجامحة وحاجات الحضارة المزورة، وأنا أحمل ثقل ظلمك في صبر لأنك أنت سيدي.
منذ سنوات، وأنا أقف بباب قصرك ساعات (كالشحاذ) أطمع أن أفوز بكلمة، فلا أجد السبيل إليك، لأن حاجزاً من الرفاق يحول بينك وبيني.
واندفعت في سبيلك، فركبك الدين؛ وأنا أنادي، فلا يبلغك صوتي الضئيل، لأن فنوناً من الشهوات تشغلك عني
ومرت الأيام، وقصر أبيك المشيد في الضيعة يتداعى رويدا رويداً، وأنا أناشدك أن تمنحه فضل مالك، فأعرضت عني في أنفة وكبرياء؛ وشمخت بأنفك، فقلت: يا سيدي، إن الغيب مستور، ومن يدري، لعلك تحتاج إليه في وقت ما. فقلت: هيه، أيها الغبي، أفتبتغي أن أسكن القرية وأنا هو أنا. . . فسكت وفي قلبي حسرات على أن ينهد هذا الجمال الرائع.
لقد تأنق أبوك فيه، فكان فناً من الفن، وكان مشرق العز ومهبط النعيم؛ فلما سيطرت عليه اطرحته، وطرت إلى بلاد تسميها أنت بلاد النور، تضيف إلى جهلك جهلاً آخر، وتركتنا هنا نتكفأ في بلاد الظلام والفاقة.
إن الذي دفعك إلى هناك هو العلم الذي يعلم الجهل، وهو العقل الذي يعلم الجنون.
والآن جئت، يا ابن القرية، برغمك لتتردى في قرار مكين وثارت بك سورة السلطان فرحت تتسخط على هذا الجهل الشامل، ونسيت يوم أن ذهبت أستجدي جاهك عل ابني يجد مكاناً في المدرسة، فهررت في وأنت تقول: حتى انتم. . . حتى أنتم أيها الفلاحون، تريدون أن تتعلموا. . .؟ فرجعت والخيبة تشيع في جنبات نفسي.