للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهل يسرك الآن هذا الجهل الذي تفهق به القرية؟

أتحس في قرارة نفسك أنني إنسان مثلك؟ كلا

بل أنت كنت خاوياً ونفخت في إهابك الرتبة وسما بك اللقب هذا اللقب غرسته بد الكبرياء، وسقته نزوة الخنزوانة، وتعهدته ثورة النعرة.

هو النبتة اللئيمة التي خلقتها أيام الاستعباد، وترعرعت في حضن الاستبداد.

هو القيد البغيض والغل القمل.

هو العصا السحرية التي تخضع لها الأعناق، وتتملقها الألسن، وتهفو نحوها الرغبات، وترنو إليها الأبصار، وينفتح أمامها الباب المغلق، ويذل لها القلب المتغطرس، و. . .

واللقب هو سيما الخسف والهوان، وعلامة الغشم والحيف، فمتى. . . متى الخلاص؟

لا تلمني، يا سيدي، فاللقب هو عدوي الذي أفرق منه: لأنه بعث فيك العظمة والكبر، وعلمني الصغار والضعة، ونفث فيك الغطرسة والعجب، وأوحى إلي بالاستكانة والاستخذاء، وسما بك إلى الخيلاء والصلف، وانحط بي إلى التصاغر والخنوع. وهو فتح أمامك مغاليق الحكومة وأوصدها في وجهي، وهون عليك أمر الرزق وأعضله عليّ، والآن لك الحياة ورماني منها في مهمة حزن.

فلا تلمني إن أنا مقته من جماع قلبي.

ولكنك أنت، يا سيدي، حللت بيننا أهلاً.

تعال معي، يا سيدي، نجلس هناك على الحصباء تحت الظل الوارف، إلى جانب الساقية. تعال علك تجد في نواح الساقية وأنين الثور وشكواي أنا الفلاح برداً يطفئ ثورتك.

تعال واشهدني وأنا بين الطين والماء، بين الفأس والمحصدة، بين الساقية والطنبور، بين أرجاء أرضك التي تسعد بمحصولها، أسهر الليل وأقوم النهار، أعني النفس لتجد أنت لذتك. تعال عل قلبك يتفتح لي فألمس بعض عطفك.

تعال واقترب مني. لا تخش جسمي القذر ولا ثيابي الرثة الوضيعة.

تعال، انزل عن كبريائك ساعة واجلس إلي وذق طعامي ونم إلى جانبي، ولا تأنف ولا تمتعض ولا تدع الحسرة تنسرب إلى قلبك فأنت رجل عظيم تستطيع أن تصنع شيئاً.

ثم تعال إلى داري وتأمل أهي خير أم حظيرة البهائم؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>