وبخهم على هذه المغالطة بقوله:(يا أهل الكتاب لم تحاجُّون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده، أفلا تعقلون؟)
وبلغت بهم الجرأة أنهم أرادوا تهويد جماعة من كبار الصحابة منهم حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر ومعاذ بن جبل، ولكن الله عصمهم، وفي ذلك يقول الله تعالى:(ودت طائفة من أهل الكتاب لو يُضُّلونكم وما يُضلُّون إلا أنفسهم وما يشعرون)
وكان في التوراة آيات تدل على صفات محمد وفضله، وكان فيها أحكام توافق القرآن ولا توافق هواهم، فعمدوا إلى تحريفها ليبطلوا حجة المسلمين وبرهانهم على رسالة محمد من هذه الناحية، وكان على رأس هذه الطائفة المحرفة كعب بن الأشرف، ومالك ابن الصيف، وحيي بن أخطب، وهم الذين قال الله فيهم: وإن منهم لفريقاً يَلوُون ألسنتهم بالكتاب، لتحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) وكانوا يحاولون التفريق بين الأنصار من الأوس والخزرج بتذكيرهم بحروب الجاهلية، والعداوة التي كانت بين القبيلتين ومحاها الإسلام: قيل مَرَّ شاس بن قيس اليهودي على نفر من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون، فغاظه تحدثهم وتألفهم، فأمر شاباً من اليهود أن يذكرهم يوم بعاث لعلهم يغضبون، وكان يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس، ففعل الشاب ما أمر به، فتنازع القوم عند ذلك، وقالوا: السلاح السلاح. فبلغ النبي عليه السلام، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار، فقال: أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وألف بينكم؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، فألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضاً باكين. فنزل قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله؟ ومن يعتصم بالله فقد هُدىَ إلى صراط مستقيم، يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوناً)
تلك خلاصة أعمالهم في السلم وتتجلى في أنهم كانوا يريدون فتنة المسلمين عن دينهم بطريق التشكيك أو المغالطة أو التحريف، وكانوا يودون التفريق بين المؤمنين بإثارة أحقاد