والجرحى في الحرب الماضية ٢١ مليون نفس، وتكلفت ٦٧. ٥٩٨ مليون جنيه؛ وبديهي أن هذه الأنفس والأموال لو وضعت تحت تصرف العلماء والمخترعين لأنتجوا أضعاف ما أنتجت الحرب من تقدم.
وهاهي ذي الحرب الحالية تنفق عليها إنجلترا وحدها ٥٢ مليون جنيه في الأسبوع الواحد؛ فإذا قلنا إن ألمانيا نتفق نصف هذا المبلغ عرفنا كم تتكلف الحرب من أموال تضاف إليها خسارة الأرواح وكساد بعض نواحي الحياة المدنية مما لا تتلائم طبيعته وطبيعة الحرب.
ولا يسعنا أن نقول إن الفنون والعلوم توقف تماماً، ولكنها تتحول إلى الناحية العسكرية، فيشتغل القصصيون بالقصص العسكرية، ويرسم الفنانون الصور العسكرية، وتتحول العقول الهادئة إلى عقول مدمرة عملها شحذ عزائم أهلها؛ فكل أديب أو فنان لا يعمل الآن من أجل الحرب يموت جوعاً، ولا يتيسر له إبراز إنتاجه لأنه يعيش في وادي غير وادي الناس ويفكر فيما لا يفكر فيه الناس، ويبتدع ما لا يقره الناس.
فالقتال إحدى الغرائز الإنسانية، صقلتها القوانين والنظم، وكبتت في الفرد، ولكنها ما زالت بارزة في الجماعة، فإلى أن يتاح للجماعة أن تكبت هذه الغريزة وتحولها إلى غريزة أصلح، فإن الحرب لن تزول.
وإذا كانت الحكومات وفقت في ضبطها عند الأفراد، فمصيرها غامض عند الأمم لاختلاف أمزجتها وميولها اختلافاً بيناً وإن كانت نهايتها المحتومة عندما تعقل الدول.