وكما تعطينا هذه الحرب فكرة واضحة عن ارتباط مصالح العالم بعضها ببعض، فإنها تعطينا دروساً أخرى في الجغرافيا، فقارن بين معلوماتك عن بلدان العالم الآن وبين معلوماتك عنها قبل الحرب، تجد أنها تضاعفت عدة مرات، دون أن يكرهك أستاذ على دراستها، ودون أن يضطرك امتحان إلى مذاكرتها.
وعلمتك هذه الحرب كثيراً من المميزات الإقليمية للبلاد من جبال وأنهار وسهول، وما تضمه أرضها من ثروة معدنية وزراعية، وما أتصف به أهلها من قدرة على تحمل شظف العيش ومرارة القتال، كما عرفت مدى حاجات الدول بعضها إلى بعض.
ثورة صناعية
والحرب ثورة صناعية تحفز الحكومات والمخترعين على ابتكار معدات جديدة في الميدانين المدني والعسكري، فكلاهما مكمل للآخر، ولا نستطيع أن نضع حداً فاصلاً بينهما، فالجندي يحتاج إلى وسائل مدنية وعسكرية، فيجب العناية بطعامه وصحته وملابسه ووسائل راحته، كما يجب العناية بإعداده وإمداده بأدوات القتال.
ومن أمثلة تقدم المخترعات (الطيران) فإن ما وصل إليه من طول مدى الطيران وقوة الحمولة يدلان على ما فعلته فيه الحرب، فلم نعرف من قبل أن الطائرة تحمل أربعين جندياً بمعداتهم كما هي الحال الآن، ورحلات سلاح الطيران في إغاراتها على ألمانيا وعودتها دون توقف؛ هذا تقدم كبير يربحه العالم من الحرب عندما تضع أوزارها، ومثله كثير في الطب والصناعة والزراعة.
وليس معنى هذا أننا من مؤيدي الحروب فإن المصائب التي تحل بالعالم من قتل الأنفس وتدمير البلاد وانتشار الأمراض، تفوق بمراحل هذه المكاسب الزهيدة التي يصل إليها العلم أثناء السلم بعد فترة أطول من الزمن، فتقدم العالم مطرد سواء في السلم أو في الحرب إلا أن فترة الحرب انقلاب وسرعة.
الخسائر والأرباح
وهي فترة انقلاب ضرورية إلى أن تصفو الضمائر وتقتنع العقول بأن الحرب مهما أكسبت من أسلاب وغنائم، فلن توازي ما يخسر العالم من أموال ومن أروح، وبلغ عدد القتلى