أسرعوا إليها، وحملها بعضهم، وأمرت صاحبة المرقص أن يذهب بها إلى حجرة ما تسعف فيها ثم تأخذ ملابسها وتمضي، فذهبوا بها، وعادوا عنها إلى ما كانوا فيه، ولكن صاحبة المرقص ألفت نفسها في ركنها قد طال مكثها وحدها، لم يرجع الأستاذ لها فسألت عنه فعلمت أنه لا يزال عند البنت التي أغمي عليها.
وكان وقت الراحة قد جاء فقامت السيدة إلى الأستاذ لتراه ماذا يصنع عند تلك البنت.
فلما جاءتهما وجدته يقول لها:(هذه الأنوار أنوار، فإذا كنت تكرهينها أطفأناها، وهذه الأستار أستار قطع من القماش مدلاة بحبال ومرسوم عليها صور وأشكال، فإذا لم تكن تعجبك رفعناها، وهؤلاء الناس الذين ينظرون إليك ناس مثلي أنا ومثلك أنت ومثل كل الذين عرفتهم وعرفوك، فإذا كنت تبغضينهم طردناهم. . . أيرضيك هذا؟ ولكن لماذا يرضيك؟ أما كنت ترقصين في المدرسة أمام أنوار وأستار وأنظار؟ هذه كتلك، فلم التخاذل هنا والشيطنة هناك؟ قومي. . . أعيدي الكرة. . . فإني أضمن لك في الرقص مستقبلاً قريباً ربما لم يكن أتيح مثله لراقصة من قبل. . . يا لله يا ماما. . . وهاك الشوكولاته!. . .)
ومصت العجوز المتصابية صاحبة المرقص شفتيها عجباً واستهزاء وقالت: اسمعي الكلام يا روحي وقومي أرينا البشائر وأشهدينا الفتح. . . يا لله يا ماما، وهاك أيضاً من عندي شوكولاته.
وأصرت الصغيرة على أنها تكره الرقص، وتنفر منه وتخشاه وتضرب عنه. . . وجمعت أشياءها في حقيبتها وتمتمت بكلمات شكر مما تحفظه وترويه بدون أن تتدبره أو تفكر فيه، واستأذنت لنمضي، ولكن الأستاذ وقف في طريقها وأقسم ليحبسنها، فلا تخرج إلا إلى الأنوار والأستار والأنظار.
الرجل أحبها، هذا المغمور في متابع الهوى، المنغمس ليله ونهاره بين أذرع الغيد، المنطبق بروحه على أرواحهن، المتقبل بحواسه نفثاتهن وصرخاتهن وهمهماتهن وغليانهن. . . هذا العليم الخبير، الغني الوفير الصيد إذا أراد صيداً، كان يزهد في كل ما كان يرى، لأنه لم يكن يرى إلا صنعة هو أستاذها. . . أما هذه فقد رأى فيها أشياء أخرى، ولم يكن ينقصها إلا هذه الصنعة الني هو أستاذها، رآها الراقصة التي ظل يحلم بها ليحبها وليعلمها