وماذا يريد هذا الصديق أن يقول؟ إن كان يريد القول بأننا لم نلتفت إلى ما في عصرنا من ثقافات ومعارف وفنون فقد أخطأ كل الخطأ، وانحرف عن الصواب أشد الانحراف.
فالدكتور طه حسين الذي شغل نفسه بدرس عصر النبوة والعصر الأموي والعصر العباسي وتحدث عن المعري والمتنبي هو ذاته طه حسين الذي شغل نفسه بدرس طوائف من الآثار الجميلة للأدب الفرنسي الحديث، وهو ذاته طه حسين الذي التفت إلى مستقبل الثقافة في مصر فنشر عنها كتاباً في جزأين، فمن التجني أن يقال إن مثل هذا الرجل لا يعرف غير الهيام بأودية العصور الخوالي.
والأستاذ عباس محمود العقاد الذي شغل نفسه بدرس أشعار ابن الرومي، ومن إليه من أعيان الشعراء القدماء هو ذاته عباس العقاد الذي شغل نفسه بدرس جماعات من المفكرين الذين سيطروا على العقل الأوربي الحديث؛ وهو نفسه عباس محمود العقاد الذي ساير التطورات السياسية في مصر بذهن ثاقب وقلم وثّاب؛ وهو عينه عباس العقاد الذي ترجم لشعراء مصر في الجيل الجديد، فمن التعسف أن يقال إن مثل هذا الباحث لا يعرف غير الاشتغال بالعاديّات الأدبية.
والأستاذ أحمد حسن الزيات الذي اهتم بتأريخ الأدب العربي، والذي عنَّى نفسه بنقد كتاب ألف ليلة وليلة، والذي يحرص أشد الحرص إلى إحياء ما اندثر من آثار القدماء، وهو نفسه أحمد حسن الزيات الذي جاهد أصدق الجهاد في نقل الغُرر من آيات الأدب الفرنسي الحديث، وهو عينه أحمد حسن الزيات الذي عالج المشكلات الاجتماعية بأسلوب يشهد بأنه مجروح القلب من أزمات هذا الجيل. فكيف يقال إن مثل هذا الكاتب لا يعرف غير الطواف برسوم العهود السوالف؟
بقي الكلام عن الدكتور زكي مبارك وهو رجلٌ أُدرك أسرار أدبه بعض الإدراك لأن اسمه يشابه اسمي.
وأعترف بأني أوغلت في دراسة الأدب القديم كل الإيغال، ولكن عذري في ذلك مقبول، فقد أفهمني جماعة منهم الأستاذ سلامة أني قضيت عشرين سنة في الحياة الجامعية، وأن من الواجب أن أقيم الدليل على أني أصلح لأستاذية الأدب العربي والفلسفة الإسلامية، وكذلك خصصت الأدب والفلسفة بجهود لا ينكر قيمتها أحدٌ من المنصفين. . . وهل فسد الزمان