حتى أحتاج إلى الاعتذار عن الأعوام الطوال التي قضيتها في تأليف (الأخلاق عند الغزالي) و (النثر الفني) و (التصوف الإسلامي) و (الموازنة بين الشعراء) و (عبقرية الشريف الرضي)؟
وإلى من أعتذر؟ إلى الأستاذ سلامة موسى الذي أعجب بهذه المؤلفات كل الإعجاب!!
وأنا مع ذلك لم أنس نصيبي من معالجة معضلات العصر الحديث، وقد سجّل الأستاذ سلامة موسى في (المجلة الجديدة) أنه كان يجدرُ بالدكتور زكي مبارك أن يجمع مقالاته التعليمية في كتاب خاصّ لتكون نبراساً يهتدي به المعلمون.
وقد زكَّيت عن الأعوام التي قضيتها في فرنسا بكتاب (ذكريات باريس) وهو كتابٌ يشهد بأني عشت في فرنسا وأنا حادَّ البصر، وافر الذكاء، وهو كتاب يصوّر كثيراً من أزمات فرنسا في هذا الجيل.
والعام الذي قضيته في بغداد صورتُ به في كتاب (ليلى المرضية في العراق) أعظم المعضلات التي تعانيها فلسطين وسورية ولبنان ومصر والعراق؛ ولو أن الأستاذ سلامة موسى قرأ كتاب ليلى لعجب من أن يستطيع الرجل في عام واحد أن يدرك سرائر هذه البلاد، مع أنه كان موظفاً مسئولاً يحضّر في كل أسبوع نحو اثني عشر درساً لفتيان ناضجين هم طلبة دار المعلمين العالية في بغداد.
لا يهمني أن أدفع الاتهام الموجَّه إليّ العقاد والزيات وطه حسين، فلي ولهم أقلام تدفع ما يوجّه إلينا من العدوان بأيسر مجهود حين يشتجر القتال.
وإنما يهمني أن أدفع الشر عن الأدب العربي، فهو ليس أدباً ميتاً، كما يتوهم بعض الناس، وإنما هو أدب يتوثب من قيض القوة والحيوية، وبفضل الأدب العربي بقيت الذاتية الشرقية إلى اليوم، ولولا الأدب العربي لكان الأستاذ سلامة موسى في أيامه هذه كاتباً يرطن في لغة الأرمن أو لغة اليونان!
ومن محاسن الأستاذ سلامة موسى أنه وطنيٌ صادق الوطنية، ومن هذه الناحية أغزوه بلا رفق.
فمصر التي يحبها أصدق الحب لم تَسُد في الشرق إلا بقوتين عظيمتين: هما اللغة العربية والشريعة الإسلامية.