وهل من القليل أن تأخذ بلاد العرب ثقافتها العربية عن مصر؟ هل من القليل أن يأخذ وطن الرسول معارفهُ الدينية عن مصر؟ هل من القليل أن تكون مصر هي البلد الذي صارت العربية لغته القومية الوحيدة وصار الإسلام هو دين الأكثرية الساحقة من أبنائه الأوفياء؟
قد يكون سلامة موسى في دينه أصدق مني في ديني - والله أعلم بالسرائر - ولكن من المؤكد أني أصدق منه في الوطنية، فأنا أحرص على اللغة العربية والإسلام خدمةً لوطني، وأنا أغض النظر عن هفوات كثير لرجال الدين، لأنهم على أي حال من الشواهد على أن وطني له سلطة روحية. وقد تطوع المسلمون في مصر لمعاونة الأحباش أيام محنتهم بعدوان الطليان لغرض وطني الشعور بأن الكنيسة القبطية لها سلطانٌ روحيٌ على عقائد الأحباش.
فهل يغار الأستاذ (سلامة موسى) على الأزهر الشريف كما أغار على الكنيسة القبطية؟ وهل يحب المسلمين كما أحب الأقباط؟
استغفر الله واستغفر الوطن، فالأستاذ سلامة موسى بحق وصدق من أكرم أصدقاء العروبة والإسلام، لأنه بالفعل من مشاهير الكتاب في اللغة العربية.
وإنما أعيب على سلامة موسى أن يكون أقل وطنية من مكرم عبيد الذي يحفظ القرآن عن ظهر قلب ليكون من أفصح الخطباء باللغة العربية.
وإنما أعيب عليه هذا لأني أكره أن يكون السياسي أصدق وطنية من الأديب.
ولنفرض جدلاً أن طه حسين والعقاد والزيات وزكي مبارك لا يشتغلون بغير دراسة الأدب العربي القديم، فما العيب في ذلك؟
وهل من الكثير أن يكون منا عشرة أو عشرون أو ثلاثون يقضون أعمارهم في دراسة ماضي اللغة العربية، وهي اللغة القومية في مصر منذ ثلاثة عشر قرناً؟ وهل تعاب فرنسا وإنجلترا وإيطاليا بأن فيها مئات من الباحثين لا يهتمون بغير درس الذخائر من الأدب القديم عند اليونان والرومان؟
وما رأي الأستاذ سلامة موسى في التوراة والإنجيل وهما من النصوص العتيقة بلا جدال؟
هل يرى أن الاهتمام بدرس التوراة والإنجيل من العبث السخيف بحجة أنهما لا يمثلان