ثم إن يهود بني قينقاع - وهم أول من جاهر بنقض العهد من اليهود - أظهروا ما خفي في نفوسهم بعد بدر، وهددوا الرسول، فحاصرهم خمس عشرة ليلة، نزلوا في آخرها على حكم حليفهم عبد الله بن أبي، فحكم أن يجلوا عن المدينة، فخرجوا منها إلى أذرعات بالشام.
بنو النضير
ثم جاء دور بني النضير، فإن النبي ذهب إليهم يستقرضهم دية قتيلين مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري وهو يحسبهما مشركين، فأظهروا حسن استعدادهم لإجابة طلبة. ولكنهم ائتمروا به ليقتلوه، وعمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة، وأراد أن يقليها على رأس النبي من أعلى الجدار الذي كان مستنداً إليه، فأمسك الله يده، وأخبر رسوله بكيدهم وسلطه عليهم، وفي ذلك يقول الله:(يا أيها آمنوا اذكروا نعمةَ الله عليكم إذ هَمَّ قومٌ أن يبسُطوا إليكم أيدَيهم فكَفَّ أيدَيهمْ عنكم)
ويقال إنهم كانوا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يكونوا عليه ولا له، فلما ظهر المسلمون في بدر قالوا هو الرسول الذي نعته في التوراة؛ فلما هُزم المسلمون في (أُحد) ارتاب اليهود ونكثوا عهدهم، وخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكباً إلى مكة فحالفوا عليه قريشاً، وتلك محالفة تجعلهم خطراً عظيماً على المسلمين لأنهم من المدينة، وفي استطاعتهم التجسس لقريش على المسلمين، وإرشادهم إلى مواطن الضعف في الجيش الإسلامي، وأحسن الأوقات للهجوم، وغير ذلك من أعمال الطابور الخامس.
عرف النبي الكريم بأمر هؤلاء القوم ونياتهم، وسلطه الله عليهم فصبحهم بالكتائب ودعاهم إلى الخروج من المدينة، فقالوا: الموت أحب إلينا. وتنادوا بالحرب، فحاصرهم النبي؛ ويقال إنهم استمهلوه عشرة أيام يتجهزون فيها للخروج، وفي تلك الفترة أرسل إليهم المنافقون أنهم ناصروهم إن قاتلهم المسلمون، وأنهم سيخرجون معهم إن أُخرِجوا. فتحصنوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله، ولكن الحصار اشتد عليهم، وقعد المنافقون عن نصرتهم وقذف الله الرعب في قلوبهم؛ وطلبوا الصلح، فأبى الرسول إلا الجلاء، فجلوا إلى الشام: إلى أريحا وأذرعات، وجلا آل حيي بن أخطب إلى خيبر.