ونزل في هذا الجلاء والمفئ الذي ظفر به المسلمون، والمنافقين الذي غروا اليهود أكثر سورة الحشر:(هو الذي أخرجَ الذي كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر، ما ظننتم أن يَخْرُجوا، وظنوا أنهم مانِعتُهِمِ حُصُونهُمْ من الله. فأناهم الله من حيث لم يَحْتسِبوا، وقَذَف في قلوبهم الرعبَ. يُخْربون بُيوتَهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار). ثم بين سبب ما حل بهم وما أعده لهم من عذاب النار فقال:(ذلك بأنهم شاقُّوا اللهَ ورسولَهُ ومن يُشَاقِّ الله فإن الله شديد العقاب)
أما المنافقون الذين وعدوا اليهود النصر فحديثهم في هذه السورة قوله تعالى:(ألم ترى إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أُخْرِجتُمْ لَنَخْرُجَنْ معكم، ولا نُطيعُ فيكم أحداً أبداً، وإن قوتلتم لَنَنُصرنَّكم، والله يشهد إنهم لكاذبون. لئن أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم لَيُوَلُّنَّ الأدبار)
ثم بين حالهم من اليهود وخذلانهم لهم فقال:(كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر، فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين. فكان عاقبتهما أنهما في النار خالِديْنِ فيها، وذلك جزاء الظالمين)
الأحزاب
لم يترك اليهود فكرة الانتقام من محمد لحظة واحدة، وقد هداهم تفكيرهم إلى أن خير وسيلة للانتقام منه هي تخريب الأحزاب عليه واستئصاله هو ومن معه من المسلمين، فخرج بعض من نزل خيبر من بني النضير إلى مكة، وحالفوا قريشاً عليه، ودعوهم إلى حربه؛ فقالت قريش: يا معشر يهود، أنتم أهل الكتاب، وأنتم أقرب إلى محمد منا، وهو أقرب منكم إلينا، فلا نأمن مكركم، فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم، ففعلوا. فقال أبو سفيان: أنحن أهدى سبيلا أم محمد؟ فقالت اليهود: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أهدى وأولى بالحق منه. وذلك افتراء على محمد وكذب على الله وعلى التوراة، ولكن الحقد أضلهم أو لعلهم رأوا الغاية التي يرجونها، وهي استئصال المسلمين، تبرر الوسيلة، ولو كانت الكفر بكتابهم وربهم.
ثم ساروا إلى غطفان فأعدوها لحرب النبي، وخرجت قريش وغطفان يريدون المدينة؛ فلما علم النبي بخبرهم استشار أصحابه في الوسيلة التي يتقي بها تلك الأحزاب العظيمة