لابد أن تكون في هذا الكتاب فكرة يلفت الأستاذ الحكيم النظر إليها بهذا الكلام، ولابد أن تكون هذه الفكرة من الجلال بحيث تعتبر من علامات الحياة في أمتنا المصرية أو أمتنا العربية التي استمر واحد من مفكريها الكبار (ينتج) على الرغم من نوازل العلل أولاً، ومن الخطوب ثانياً، ومن الأهوال ثالثاً، ومن علامة الاستفهام والنقطتين بعد ذلك. كله. . . ولكني لما قرأت الكتاب لم أجد فيه من هذا كله إلا ما سأذكره لك يا حضرة الرجل وهو بعيد كل البعد عن نوازل العلل والخطوب الأهوال وما إلى ذلك.
على أني أسمي هذا الكتاب كتاباً تجوزاً. فأنا اعرف الكتاب كلاماً متجهاً إلى قصد معين يستطيع الإنسان أن يلخصه في جملة مفيدة إذا فرغ من قراءته، ولكن (حمار الحكيم) هذا كلام لا يستطيع أحد أن يلخصه لأنه مجموعة من الحكايات كل منها مستقل بذاته يمكنك أن تقرأها من الآخر إلى الأول كما يمكنك أن تقرأها من الأول إلى الآخر فلا تشعر إن كانت اضطربت أو ارتبكت، ثم إني لا أستطيع أن أسمي هذا الكلام قصة لأنه كما رأيت مجموعة حكايات، ولأنه يتخلله إلى جانب ذلك مقالات صغيرة، وبحوث تاريخية تشعر بأن الأستاذ الحكيم تصيدها تصيداً وضمنها الكتاب غصباً حتى تضخم الكتاب وكبر.
وإن لي ملحوظة أخرى على ضخامة الكتاب وكبر حجمه لا أحب أن أغفلها، وهي أن الورق الذي اختير فطبع عليه هذا الكتاب ورق غليظ، الورقة منه سمكها سمك أربع ورقات من الورق العادي، زد على ذلك الفراغ الذي بين كل سطر من هذا الكتاب يتسع لسطر كان يمكن أن يوضع بين السطرين فيقل حجم الكتاب كثيراً، وهذا شيء يظهر أن مؤلف الكتاب لا يستحسنه لسببين: أحدهما مادي والآخر أدبي، أما السبب المادي فهو أن الكتاب الضخم يباع بسعر أعلى من السعر الذي يباع به الكتاب النحيف، وأما السبب الأدبي فهو أن الكتاب الضخم يغتصب احترام القارئ أكثر مما يغتصبه الكتاب النحيف صحيح أن هذه ملحوظة ماكرة ولكن الذي دبرها هو الأمكر ممن لحظها. والذي دبرها هو الذي دبر معها عنوان الكتاب فجعله هذا العنوان الجذاب الذي يغري الجمهور بالتهافت على الكتاب، فالحمار (شخصية فنية) يحب الناس أن يعرفوا آراء الكتاب المحدثين فيها، ونظرتهم إليها، كما اطلعوا على أقوال القدماء فيها وتعليقاتهم عليها، والأستاذ توفيق الحكيم معتبر من هؤلاء المفكرين، وقد شوقني عنوانه فعلاً إلى قراءة الكتاب ولكني لم أجد في