الكتاب شيئاً عن الحمار الفني، وإنما وجدت أن الأستاذ اشترى جحشاً في القاهرة ثم صحبه إلى الريف فتركه يموت هناك جوعاً لأنه لم يجد حمارة ترضعه، ولذلك أبيح لنفسي بأن أتهم الأستاذ بأنه استدرج القراء إلى كتابه بخدعة هي أبلغ من خدع النساء جميعاً.
وكما دبر الأستاذ الحكيم هذه الخدعة في العنوان فقد حاك خدعة أخرى نصب شباكها في بقاع عديدة متفرقة من الكتاب، تلك أنه ما فتئ يلح على القارئ بين كل صفحة وأخرى بترديده القول بأنه مفكر، وبأنه يفكر، وبأنه فكر، وبأنه سيفكر؛ حتى خفت على نفسي وأنا المتيقظة له بأن أقتنع بأنه يفكر حقاً مع أنه لم يدلني على هذا بدليل واحد غير قوله: إني أستغرق في تأملاتي، وإن ذهني يمتلئ بالمعاني والأفكار، وإني. . . وإني. . . وقد كنت أحب من غير شك أن أعرف في أي شيء يفكر الأستاذ كل هذا التفكير، ولكن لم اقف في طول الكتاب وعرضه على شيء غير هذه الأقول، اللهم إلا قوله في مرة من هذه المرات: والمعاني، إذا كانت هناك معان تذوب قبل أن تبلغ ذهني. فقلت في نفسي: لعل أفكار الأستاذ كلها من هذا النوع، فهو يفكر فيها طويلاً، ولكنها تذوب منه قبل أن يمسكها، فهو معذور إذن إذا عجز عن أن يعرضها على قرائه.
ولننتقل بعد ذلك إلى الكتاب أو القصة، ولنقف فيها وقفات عاجلة لنرى فيها مواطن البراعة في هذا الكتاب الذي يكيد للنساء والذي كنت تريد أن تكيد لي به. وفي سبيل هذا لابد أن نهمل الحمار فهو بطل محشور في القصة حشراً ليستعار اسمه عنواناً لها لغرابته وطرافته لا أكثر ولا أقل.
أما بطل القصة الحقيقي فهو الأستاذ توفيق الحكيم نفسه الكاتب الذي جاءه مخرج فرنسي ليضع له حوار قصة ريفية مصرية، وكان موسم (الإنتاج الفكري) لهذا الكاتب قد انتهى، فاعتذر للمخرج بذلك مؤكداً له أنه لا يستطيع أن ينتج إلا في (الموسم فقط) كأنما الفكر فول أو قطن أو مشمش، فأغراه المخرج بالمال وصحبه إلى الريف ليهيئ له الجو، ومع ذلك فإنه قعد عن صنع الحوار واضطر في آخر الأمر إلى أن يلجأ إلى اعتذار جديد، وهو أن الكاتب الحق لا يستطيع أن يكتب للسينما، لأن الكاتب الحق الذي مثل الأستاذ توفيق الحكيم لا يصنع كلاماً لأشخاص، وإنما هو يصنع أشخاصاً يتكلمون.
هذا هو صلب الحكاية التي أوردها الأستاذ في هذا الباب