إلي نسختيه المذكورتين، قبل سنة ونصف سنة، فاعتمدت عليها في كتابة نسخة ثالثة بيدي، كانت عنايتي بنقلها وضبطها تفوق حدود الوصف، ثم أعدت مع الشكر النسختين المصوَّرة والخطية إلى صاحبهما. وأكببت بعد ذلك على دراسة نسختي، واجتهدت بروية دقيقة في ضبط ألفاظها وتحقيق ما فيها من أعلام الأشخاص والمواقع والشؤون العمرانية والأخبار التاريخية والروايات الأدبية والأشعار وما إلى ذلك. وأفرغتُ كنانة وسعي في الرجوع إلى عشرات من الكتب العربية وكنت قد خصصت بضع ساعات من كل يوم، مدة سنة وبعض أخرى، لخدمة هذا الكتاب، وتصحيحه، والتعليق عليه بما لا مزيد عليه من العناية به
وقد وجدت من الخير لهذا الكتاب أن أعود إلى المؤلفات الأرمَنية أيضاً، وقد مكنتني معرفتي لهذه اللغة من الوقوف على عدد منها أربى على الثلاثين، وكلها ذات مساس بموضوع الديارات؛ والحق أنني خرجت منها بفوائد جليلة. ورأيت من الضروري الرجوع إلى طائفة صالحة من المؤلفات الإفرنجية فضلاً عن المؤلفات العربية الحديثة
وكان الأب أنستاس، قد سّلم نسخته المكتوبة، بعد انتساخي عليها نسخة، إلى صديقنا المحقِّق الدكتور مصطفى جواد، ليطَّلع على هذا الكتاب، ويقّيد في أثناء مطالعته له ما يعنّ له من الملاحظات والتصويبات على هوامش النسخة. فطالعها الدكتور مطالعة مدققة، وذلك شأنه في كل ما يطالع، فصحح في أغلاطها، وكشف وجه الصواب عن تحريفاتها، وقوَّم ما أناد منها على أيدي النسَّاخ، كما حقق أموراً جمَّة من أعلامها، وحل كثيراً من مغلقاتها. وقد سمح لي كل منهما بنقل هذه الملاحظات الثمينة، لأنهما يرقبان الكتاب ويأملان أن يخرج في أتم ما يمكن من الإتقان. وقد نقلت تلك الملاحظات شاكراً فضلهما، وأدخلت كل واحدة منها مقرونة باسم صاحبها الدكتور مصطفى، في محلها من حواشي الكتاب
فأنت راء أن كتاب الديارات للشابشتي، قد انتقل بعد كل هذه الجهود من عالم إلى عالم، وأضحت أخباره ومروياته مدعومة بما يؤيدها من الأسانيد الواردة في المراجع القديمة الأخرى، وقد أضفتُ إلى الكتاب ملحقات جمّة، في أحدها معلومات طريفة بتلك الديارات الساقطة تراجمها من مخطوطة برلين، وذلك بعد أن ثبت لي لزوم اشتمال الأصل عليها. كما وضعتُ ملحقاً ثانياً مطولاً، يكون (مستدركاً) على الشابشتي، وفيه أخبار الديارات التي لم يتطرق إلى ذكرها، وبينها ما هو من الخطورة الأثرية والتاريخية والأدبية بمكان رفيع.